وطرده عن سماواته في العاجل، ثم جعل مسكنه ومسكن شيعته وأتباعه في الآخرة نار جهنم. انتهى. وكان يقال له: طاوس الملائكة لحسنه، ثم مسخه الله تعالى. وقال عبد الملك بن أحمد بإسناده عن ابن عباس، قال: كان إبليس يأتي يحيى بن زكريا، عليهما الصلاة والسلام، طمعا أن يفتنه، وعرف ذلك يحيى منه، وكان يأتيه في صور شتى، فقال له: أحب أن تأتيني في صورتك التي أنت عليها، فأتاه فيها فإذا هو مشوه الخلق كريه المنظر، جسده جسد خنزير ووجهه وجه قرد وعيناه مشقوقتان طولا وأسنانه كلها عظم واحد وليس له لحية ويداه في منكبيه وله يدان آخران في جانبيه وأصابعه خلقة واحدة وعليه لباس المجوس واليهود والنصارى، وفي وسطه منطقة من جلود السباع، فيها كيزان معلقة وعليه جلاجل، وفي يده جرس عظيم وعلى رأسه بيضة من حديدة معوجة كالخطاف، فقال يحيى صلى الله عليه وسلم: ويحك ما الذي شوه خلقتك؟ فقال: كنت طاوس الملائكة فعصيت الله فمسخني في أخس صورة، وهي ما ترى. قال: فما هذه الكيزان؟ قال: شهوات بني آدم. قال: فما هذه الجرس؟ قال: صوت المعازف والنوح، قال: فما هذه الخطاطيف؟ قال: أخطف بها عقولهم. قال: فأين تسكن؟ قال: في صدورهم وأجري في عروقهم، قال: فما الذي يعصمهم منك؟ قال: بغض الدنيا وحب الآخرة.
النوع الرابع: في أولاده وجنوده. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: بلغنا أن لإبليس أولادا كثيرين، واعتماده على خمسة منهم: شبر والأعور ومسوط وداسم وزلنبور، وقال مقاتل: لإبليس ألف ولد ينكح نفسه ويلد ويبيض كل يوم ما أراد، ومن أولاده: المذهب وخنزب وهفاف ومرة والولهان والمتقاضي، وجعل كل واحد منهم على أمر ذكرته في (تاريخي الكبير) ومن ذريته: الأقنص وهامة بن الأقنص ويلزون وهو الموكل بالأسواق وأمه طرطية، ويقال: بل هي حاضنتهم، ذكره النقاش، قالوا: باضت ثلاثين بيضة: عشرة بالشرق، وعشرة بالمغرب، وعشرة في وسط الأرض، وأنه خرج من كل بيض جنس من الشياطين كالعفاريت والغيلان والحيات، وأسماؤهم مختلفة كلهم عدو لبني آدم، أعاذنا الله من شرهم، وله جنود يرسلهم إلى إضلال بني آدم، وقد روى ابن حبان والحاكم والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا، قال: إذا أصبح إبليس يبعث جنوده، فيقول: من أضل مسلما ألبسته التاج الحديث، وروى مسلم من حديث جابر: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة.
وقال مجاهد يقذفون يرمون: دحورا مطرودين أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب) * (الصافات: 8 9). وفسر يقذفون بقوله: يرمون، ودحورا بقوله: مطرودين، كأنه جعل المصدر بمعنى المفعول جمعا، وقد فسره عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كذلك.
واصب دائم أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولهم عذاب واصب) * (الصافات: 9). وفسر الواصب بقوله: دائم، وقد ذكره البخاري وما بعده اتفاقا واستطرادا.
وقال ابن عباس مدحورا مطرودا أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) * (الإسراء: 93). ووصل هذا التعليق الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه، والمدحور مفعول من الدحر، وهو الدفع والإبعار من قولك: دحرته أدحره دحرا ودحورا. وفي (تفسير عبد بن حميد): عن قتادة: دحورا: قذفا في النار.
يقال مريدا متمردا أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) * (النساء: 711). وفسر مريدا بقوله: متمردا.