وعند مسلم ممن معك بزيادة من والصواب إسقاطها لأن من لا تزاد في الموجب عند البصريين وأجازه بعض الكوفيين قوله ' إذ فاتني ذلك ' كلمة إذ بمعنى حين وذلك إشارة إلى قوله لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأمولهم قوله ' أن أتخذ ' كلمة أن مصدرية في محل النصب لأنه مفعول أحببت قوله ' يدا ' أي نعمة ومنة عليهم قوله ' كفرا ' نصب على التمييز وما بعده عطف عليه قوله ' هذا المنافق ' إنما أطلق عمر رضي الله تعالى عنه اسم النفاق عليه لأنه والى كفار قريش وباطنهم وإنما فعل حاطب ذلك متأولا في غير ضرر لرسول الله وعلم الله صدق نيته فنجاه من ذلك وقال الحافظ قال عمر دعني أضرب عنقه يعني كفر وقال الباقلاني في قضية هذا الكتاب هذه اللفظة ليست بمعروفة قيل يحتمل أن يكون المراد بها كفر النعمة وقال ابن التين يحتمل أن يكون قول عمر هذا قبل قوله لقد صدقكم وقد أثبت الله له الإيمان في قوله * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم) * الآية وكانت أمه بمكة فأراد أن يحفظوها فيها وعن الطبري كان هذا من حاطب هفوة وقد قال فيما روته عمرة عن عائشة أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم قال فإن ظن ظان أن صفحه عنه كان لما أعلم الله من صدقه فلا يجوز لمن بعد الرسول أن يعلم ذلك فإن ظن فقد ظن خطأ لأن أحكام الله عز وجل في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم لا بما يظن قوله ' لعل الله ' كلمة لعل استعملت استعمال عسى قال النووي معنى الترجي فيها راجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه لأن وقوع هذا الأمر محقق عنده وما يدريك على التحقيق بعثا له على التفكر والتأمل ومعناه أن الغفران لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حد استوفي منه قوله ' اعملوا ما شئتم ' ظاهره الاستقبال وقال ابن الجوزي ليس هو على الاستقبال وإنما هو للماضي تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر ويدل على هذا شيئا أحدهما أنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر والثاني أنه يكون إطلاقا في الذنوب ولا وجه لذلك وقال القرطبي هذا التأويل وإن كان حسنا لكن فيه بعد لأن اعملوا صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال ولم تضع العرب قط صيغة الأمر موضع الماضي لا بقرينة ولا بغير قرينة كذا نص عليه النحويون وصيغة الأمر إذا وردت بمعنى الإباحة إنما هي بمعنى الإنشاء والابتداء لا بمعنى الماضي فكان كقول القائل أنت وكيلي وقد جعلت لك التصرف كيف شئت فإنما يقتضي إطلاق التصرف من وقت التوكيل لا قبل ذلك قال وقد ظهر لي وجه وهو أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف يتضمن أن هؤلاء القوم حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ذنوب مستأنفة إن وقعت منهم لا أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت منه أهليتها وكذلك القضاء وغيره وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع من الذنوب ثم أن الله عز وجل أظهر صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن توفوا ومن وقع منهم في أمر ما أو مخالفة لجأ إلى توبة ولازمها حتى لقي الله عليها يعلم ذلك قطعا من حالهم من طالع سيرهم وأخبارهم قوله ' قال سفيان ' وأي إسناد هذا أراد به سفيان بن عيينة تعظيم هذا الإسناد وصحته وقوته لأن رجاله هم الأكابر العدول الثقات الحفاظ (ذكر ما يستفاد منه) فيه هتك سر الجاسوس رجلا كان أو امرأة إذا كانت في ذلك مصلحة أو كان في الستر مفسدة وقال الداودي الجاسوس يقتل وإنما نفى القتل عن حاطب لما علم النبي منه ولكن مذهب الشافعي وطائفة أن الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله وإن كان ذا هيئة عفي عنه لهذا الحديث * وعن أبي حنيفة والأوزاعي يوجع عقوبة ويطال حبسه وقال ابن وهب من المالكية يقتل إلا أن يتوب وعن بعضهم أنه يقتل إذا كانت عادته ذلك وبه قال ابن الماجشون وقال ابن القاسم يضرب عنقه لأنه لا تعرف توبته وبه قال سحنون ومن قال بقتله فقد خالف الحديث وأقوال المتقدمين وقال الأوزاعي فإن كان كافرا يكون ناقضا للعهد وقال أصبغ الجاسوس الحربي يقتل والمسلم والذمي
(٢٥٦)