والبخاري على عادته يحيل على أطراف الحديث في التبويب. بيانه ما في (الموطآت) للدارقطني من رواية عثمان بن عمر عن مالك عن عبد الله عن عباد عن أبي بشير الساعدي، وفيه: ولا جرس في عنق بعير إلا قطع. قلت: رد الوجه الأول ليس له وجه، لأن الذي رواه البخاري من رواية عبد الله بن يوسف عن مالك ليس فيه ذكر الجرس، وإنما ذكره في الطريق الذي رواه عثمان بن عمر عن مالك، وما قيل في وجه المطابقة بقول الخطابي أوجه، لأن الجرس لا يعلق في أعناق الإبل إلا بعلاقة، وهي الوتر ونحوه، فذكر البخاري الجرس الذي يعلق بالقلادة، فإذا ورد النهي عن تعليق القلائد في أعناق الإبل يدخل فيه النهي عن الجرس بالضرورة، والأصل هو النهي عن الجرس، ألا ترى أنه ورد: أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس؟ ولأنه يشبه الناقوس.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: عبد الله بن يوسف أبو محمد التنيسي، أصله من دمشق. الثاني: مالك بن أنس. الثالث: عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم. الرابع: عباد، بتشديد الباء الموحدة ابن تميم الأنصاري، مر في الوضوء. الخامس: أبو بشير، بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة: الأنصاري، وذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وقيل: اسمه قيس بن عبد الحرير تصغير حرير بالحاء المهملة وبالراءين المهملتين، مات بعد الحرة، وهو من المعمرين. وقال الذهبي: أبو بشير الأنصاري المازني، وقيل: الساعدي، شهد بيعة الرضوان، وقال أبو عمر: أبو بشير الأنصاري قيل: المازني الأنصاري، وقيل: الساعدي الأنصاري، وقيل: الأنصاري الحارثي، لا يوقف له على اسم صحيح ولا سماه من يوثق به ويعتمد عليه، وقد قيل: اسمه قيس بن عبيد من بني النجار، ولا يصح. والله أعلم. وقيل: مات سنة أربعين، والأصح أنه مات بعد الحرة.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع، وبصيغة الإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في موضع. وفيه: ثلاثة مدنيون: مالك وشيخه وشيخ شيخه، وثلاثة أنصاريون وهم: عبد الله وعباد وأبو بشر. وفيه: تابعيان. وهما: عبد الله وعباد. وفيه: أنه ليس لأبي بشير في البخاري غير هذا الحديث الواحد.
ذكر من أخرجه غيره: أخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي. وأخرجه النسائي في السير عن قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن رجل من الأنصار به، ولم يقل عن أبي بشير.
ذكر معناه: قوله: (في بعض أسفاره)، لم يعينه أحد من الشراح. قوله: (قال عبد الله)، هو عبد الله بن أبي بكر، الراوي، وكأنه شك في قوله: (أنه) قال: فلأجل هذا قال: حسبت. قوله: (فأرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم) قال ابن عبد البر، في رواية روح بن عبادة عن مالك: أرسل مولاه زيدا. قال ابن عبد البر: هو زيد بن حارثة. قوله: (قلادة من وتر أو قلادة)، كذا وقع هنا بكلمة: أو، للشك أو للتنويع، ووقع في رواية أبي داود عن القعنبي بلفظ: (ولا قلادة)، وهو من عطف العام على الخاص، قوله: (وتر)، بالتاء المثناة من فوق في جميع الروايات، وقال ابن الجوزي: ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال: وبر، بالباء الموحدة، وحكى ابن التين عن الداودي أنه جزم بذلك، وقال: وهو ما ينزع من الجمال يشبه الصوف. قال ابن التين: فصحف. وقال ابن الجوزي: وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم، فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله تعالى شيئا. الثاني: لئلا تختنق الدابة بها عند الركض، ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن من أصحابنا، وعن أبي عبيد ما يرجحه فإنه قال: نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسها ورعيها، وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير. الثالث: أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس، ويدل عليه تبويب البخاري كما ذكرناه، وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى: التار، فقال: معناه لا تطلبوا بها دخول الجاهلية. قال القرطبي: وهذا تأويل بعيد. وقال النووي: ضعيف ومال وكيع إلى قول النضر، فقال: المعنى لا تركبوا الخيل في الفتن فإن من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر يطلب به. فإن قلت: الكراهة في الجرس لماذا؟ قلت: لما رواه مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه