هو ما يظهر من الماء زمن الشتاء ويذهب في الصيف، وقيل: لا يكون إلا فيما غلظ من الأرض. قوله: (قليل الماء)، تأكيد له، قال بعضهم، تأكيد لدفع توهم أن تراد لغة من يقول إن الثمد الماء الكثير. قلت: إنما يتوجه هذا الكلام أن لو ثبت في اللغة: أن الثمد الماء الكثير أيضا، فإذا ثبت يكون من الأضداد، فيحتاج إلى ثبوت هذا. وقال الكرماني: الثمد، ذكر معناه فيما بعده على سبيل التفسير. قوله: (يتبرضه الناس)،، أي: يأخذونه قليلا قليلا، ومادته باء موحدة وراء وضاد معجمة، والبرض: هو اليسير من العطاء. قوله: (تبرضا) مصدر من باب التفعل الذي يجيء للتكلف وانتصابه على أنه مفعول مطلق. قوله: (فلم يلبثه) بضم الياء وسكون اللام من الإثبات، وقال ابن التين، بفتح اللام وكسر الباء الموحدة المثقلة: من التلبيث أي: لم يتركوه يثبت أي: يقيم. قوله: (وشكى)، على صيغة المجهول. قوله: (فانتزع سهما من كنانته) أي: أخرج نشابة من جعبته. قوله: (ثم أمرهم أن يجعلوه فيه) أي: ثم أمرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا السهم في الثمد المذكور، وفي رواية الزهري: (فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل قليبا من تلك القلب فغرزه من جوفه، فجاش بالرواء). وقال ابن إسحاق: إن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب سائق بدن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قال: وقد زعم بعض أهل العلم: كان البراء بن عازب، يقول: أنا الذي نزلت بسهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وروى الواقدي من طريق خالد بن عبادة الغفاري، قال: (أنا الذي نزلت بالسهم)، والتوفيق بين هذه الروايات أن يقال: إن هؤلاء تعاونوا في النزول في القليب. قوله: (يجيش لهم بالري)، أي: يفور، ومادته: جيم وياء آخر الحروف وشين معجمة، قال ابن سيده: جاشت تجيش جيشا وجيوشا وجيشانا، وكان الأصمعي يقول: جاشت بغير همزة، فارت، وبهمزة: ارتفعت، والري بكسر الراء وفتحها، ما يرويهم. فإن قلت: سيأتي في المغازي من حديث البراء بن عازب في قصة الحديبية: أنه، عليه الصلاة والسلام، جلس على البئر ثم دعا بإناء فتمضمض، ودعا وصبه فيها، ثم قال: دعوها ساعة، ثم إنهم ارتووا وبعد ذلك قلت: لا مانع من كون وقوع الأمرين معا، وقد روى الواقدي من طريق أوس بن خولي أنه، صلى الله عليه وسلم، توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم فوضعه فيها، وهكذا ذكر أبو الأسود في روايته عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض في دلو وصبه في البئر ونزع سهما من كنانته فألقاه فيها، ودعا ففارت، وهذه القصة غير القصة الآتية في المغازي أيضا من حديث جابر، رضي الله تعالى عنه، قال: عطش الناس بالحديبية وبين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ركوة، فتوضأ منها فوضع يده فيها، فجعل الماء يفور من بين أصابعه... الحديث، وكأن ذلك كان قبل قصة البئر. قوله: فبينما هم كذلك، وفي رواية الكشميهني: فبينا هم كذلك، بدون الميم. قوله: (بديل بن ورقاء) بديل، بضم الباء وفتح الدال المهملة وورقاء بالقاف، مؤنث الأورق الخزاعي، قال أبو عمر: أسلم يوم الفتح بمر الظهران وشهد حنينا والطائف وتبوك، وكان من كبار مسلمة الفتح، وقيل: أسلم قبل ذلك وتوفي في حياة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وقال ابن حبان: وكان سيد قومه، وكان من دهاة العرب. قوله: (في نفر من قومه)، ذكر الواقدي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية في رواية الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية. قوله: (وكانوا عيبة نصح رسول الله، صلى الله عليه وسلم) العيبة، بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، وهي في الأصل ما يوضع فيه الثياب لحفظها، والمراد بها هنا: موضع سره وأمانته، شبه الإنسان الذي هو مستودع سره بالعيبة التي هي مستودع الثياب، أي: محل نصحه وموضع أسراره، والنصح بضم النون، وحكى ابن التين فتحها على أنه مصدر من نصخ ينصح نصحا بالفتح. قلت: هو بالضم اسم، وأصله في اللغة الخلوص، يقال: نصحته ونصحت له ونصح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبارة عن التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه. قوله: (من أهل تهامة) لبيان الجنس، لأن خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة، وتهامة، بكسر التاء المثناة من فوق: وهي مكة وما حولها من البلدان. وحدها من جهة المدينة، العرج، ومنتهاها إلى أقصى اليمن، ويقال: تهامة اسم لكل ما نزل من نجد، واشتقاقه من التهم وهو شدة الحر وركود الريح، يقال: أتهم إذا أتى تهامة. كما يقال: أنجد إذا أتى نجدا. قوله: (كعب بن لؤي وعامر بن لؤي) بضم اللام وفتح الهمزة وشدة الياء، إنما اقتصر على ذكر هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع يرجع أنسابهم إليهما، ولم يكن بمكة منهم أحد، وكذلك قريش
(٨)