لأنهم كانوا يكتبون في الجاهلية: باسمك اللهم، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، في بدء الإسلام يكتب كذلك، وهو معنى قوله: (ولكن أكتب باسمك اللهم) كما كنت تكتب، فلما نزلت: * (بسم الله مجريها) * (هود: 11). كتب * (بسم الله) * ولما نزل: * (ادعوا الرحمن) * (الإسراء: 71). كتب * (بسم الله الرحمن الرحيم) * (النمل: 03). ولما نزل * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * (النمل: 03). كتب كذلك فأدركتهم حمية الجاهلية. قوله: (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم) وقد مر الكلام فيه في أوائل الصلح في: باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان، وكذلك مضى الكلام هناك في سهيل بن عمرو وابنه أبي جندل. قوله: (نطوف به) بتشديد الطاء والواو وأصله نتطوف به. قوله: (فقال سهيل (والله لا) أي: لا يخلى بينك وبين البيت. وقوله: (تتحدث العرب) جملة استثنافية وليست مدخولة: لا، ومدخولة: لا، محذوفة وهي التي قدرناها، وبعضهم ظن أن: لا، دخلت على قوله: (تتحدث العرب) حتى قال عند شرح هذا: قوله: (لا تتحدث العرب) وهذا ظن فاسد، فافهم، فإنه موضع قليل من يدرك ذلك. قوله: (إنا أخذنا ضغطة) أي: قهرا. وقال الداودي: مفاجأة، وهو منصوب على التمييز، وقال ابن الأثير: يقال: ضغطه يضغطه ضغطا: إذا عصره وضيق عليه وقهره، ومنه حديث الحديبية: (إنا أخذنا ضغطة) أي: قهرا، يقال: أخذت فلانا ضغضة، بالضم: إذا ضيقت عليه لتكرهه على الشيء. قوله: (فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل) وفي رواية ابن إسحاق: فإن الصحيفة تكتب إذ طلع أبو جندل، بالجيم والنون على وزن جعفر، وقد مر الكلام فيه في الصلح وله أخ اسمه: عبد الله أسلم قديما وحضر مع المشركين بدرا ففر منهم إلى المسلمين، ثم كان معهم بالحديبية، وقد استشهد باليمامة قبل أبي جندل بمدة، ووهم من جعلهما واحدا. قوله: (يرسف في قيوده) أي: يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد، ومادته: راء وسين مهملة وفاء. قوله: (إنا لم نقض الكتاب بعد) أي: لم نفرغ من كتابته بعد، وهو من: القضاء، بمعنى: الفراغ، ويروى: لم نفض، بالفاء والضاد من: فض ختم الكتاب، وهو كسره وفتحه. قوله: (فأجزه لي) بصيغة الأمر من الإجازة أي: أمض فعلي فيه، ولا أرده إليك وفي (الجمع) للحميدي: فأجزه، بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي. قوله: (ما أنا بمجيزه لك) من الإجازة أيضا ويروى: بمجيز ذلك. قوله: (قال مكرز: بلى قد أجزنا ذلك) هكذا رواية الكشميهني بلفظ: بلى، وفي رواية غيره: قال مكرز بل بحرف الإضراب. وقال بعضهم: ولا يخفى ما فيه من النظر، ولم يذكر هنا ما أجاب به سهيل مكرزا في ذلك، قيل: لأن مكرزا لم يكن ممن جعل له أمر عقد الصلح، بخلاف سهيل، ورد على قائل هذا بما رواه الواقدي: أن مكرزا ممن جاء في الصلح مع سهيل، وكان معهما حويطب بن عبد العزى، وذكر أيضا أن مكرزا وحويطبا أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطا وكفاه أباه عنه. قوله: (فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين) أي: يا معشر المسلمين. قوله: (وقد جئت مسلما) أي: حال كوني مسلما، وفي رواية ابن إسحاق. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا أبا جندل: إصبر واحتسب فأنا لا نغدر، وإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا. قال: فوثب عمر، رضي الله تعالى عنه، مع أبي جندل يمشي إلى جنبه، ويقول: اصبر فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم كدم كلب. قال: ويدني قائم السيف منه، يقول عمر: رجوت أن يأخذه مني فيضرب به أباه، فضن الرجل أي: بخل بأبيه ونفذت القضية، وقال الخطابي: تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين: أحدهما: أن الله تعالى قد أباح التقية إذا خاف الهلاك، ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية. والوجه الثاني: أنه إنما رده إلى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به للهلاك، وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا، وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين، وقالت طائفة: إنما جاز رد المسلمين إليهم في الصلح لقوله، صلى الله عليه وسلم: لا تدعوني قريش إلى خطة يعظمون بها الحرم إلا أجبتهم، وفي رد المسلم إلى مكة عمارة للبيت وزيادة خير من صلاته بالمسجد الحرام وطوافه بالبيت، فكان هذا من تعظيم حرمات الله تعالى، فعلى هذا يكون حكما مخصوصا بمكة وبسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وغير جائز لمن بعده، كما قال العراقيون. قوله: (فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله...) إلى آخر الكلام، وفي رواية الواقدي من حديث أبي سعيد، قال: قال عمر، رضي الله تعالى عنه: لقد دخلني أمر عظيم، وراجعت النبي، صلى الله عليه وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط، وفي سورة الفتح، (فقال عمر: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ فعلى ما نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا؟) فقال: يا ابن الخطاب
(١٣)