عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢٧٧
أتحب قتله؟ قوله: (قد عنانا)، بفتح النون المشددة أي: أتعبنا، وهذا من التعريض الجائز بل من المستحسن، لأن معناه في الباطن أدبنا بآداب الشريعة التي فيها تعب، لكنه تعب في مرضاة الله تعالى، والذي فهم المخاطب هو العناء الذي ليس بمحبوب، قوله: (وسألنا)، بفتح الهمزة وفتح اللام والضمير فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والصدقة منصوب لأنه مفعول ثان. قوله: (وأيضا والله لتملنه) أي والله بعد ذلك تزيد ملالتكم عنه وتتضجرون عنه أكثر وأزيد من ذلك. فإن قلت: هذا غدر فكيف جاز؟ قلت: حاشا، لأنه نقض العهد بإيذائه رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وقال المازري: نقض عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهجاه وأعان المشركين على حربه. فإن قلت: أمنه محمد بن مسلمة؟ قلت: لم يصرح له بأمان في كلامه، وإنما كلمه في أمر البيع والشراء والشكاية إليه والاستيناس به حتى تمكن من قتله، وقيل: في قتل محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف دلالة أن الدعوة ساقطة ممن قرب من دار الإسلام، وكانت قضية محمد بن مسلمة في رمضان، وقيل: في ربيع الأول الأول أشهر في السنة الثالثة من الهجرة. وقال ابن إسحاق: أتى كعب المدينة فنزلها، ولما جرى ببدر ما جرى، قال: ويحكم أحق هذا؟ وأن محمدا قتل أشراف العرب وملوكها؟ والله إن كان هذا حقا لبطن الأرض خير من ظهرها، ثم خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي، فأكرمه المطلب فجعل ينوح ويبكي على قتلى بدر ويحرض الناس على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنشد الأشعار في ذلك، وبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقال: من لكعب بن الأشرف؟ فقال محمد بن مسلمة الأنصاري، أخو بني عبد الأشهل: أنا له يا رسول الله، وسرد في ذلك كلاما كثيرا، ثم قال إنه اجتمع به وسأله أن يسلفه سلفا وجرى بينهما ما يتعلق بالرهن إلى أن قال: نرهنك اللامة؟ يعني: السلاح. قال: نعم، فواعده أن يأتيه بالحارث بن أوس وأبي عبس جابر بن عتيك وعباد بن بشر، قال: فجاؤه فدعوه ليلا فنزل إليهم، فقالت له امرأته: إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم، فقال: إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، وإن الكريم لو دعي إلى طعنة لأجاب. وقال محمد: إني إذا جاء سأمد يدي، فإذا استمكنت منه فدونكم. قال: فنزل وهو متوشح فقال له: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة أعطر نساء العرب، فقال محمد: أتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم، فشم. فتناول فشم، ثم عاد فشم، فلما استمكن منه، قال: دونكم! فقتلوه ثم أتوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم فأخبروه. وحكى الطبري عن الواقدي قال: جاؤوا برأس كعب بن الأشرف إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب (شرف المصطفى): أن الذين قتلوا كعبا حملوا رأسه في المخلاة، فقيل: إنه أول رأس حمل في الإسلام. وقيل: بل رأس أبي غرة الجمحي الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) فقتله واحتمل رأسه إلى المدينة في رمح، وأما أول مسلم حمل رأسه في الإسلام فعمرو بن الحمق، وله صحبة.
951 ((باب الفتك بأهل الحرب)) أي: هذا باب في بيان جواز الفتك بأهل الحرب، والفتك، بفتح الفاء وسكون التاء المثناة من فوق بعدها كاف: وهو أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشتد عليه فيقتله.
2303 حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لكعب بن الأشرف فقال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله قال نعم قال فأذن لي فأقول قال قد فعلت.
.
وجه المطابقة للترجمة يؤخذ من معناه، لأن محمد بن مسلمة غر كعبا فاستغفله، فشد عليه فقتله. وهو الفتك بعينه، وهذا طرف من حديث جابر الذي مضى قبله. قوله: (فأقول؟) أي: عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره ما لم يحق باطلا ولم يبطل حقا؟ قوله: (قال: قد فعلت) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أذنت، ولفظ الفعل أعم الأفعال يعبر به عن ألفاظ كثيرة، وقد مر الكلام فيه غير مرة.
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»