عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢٧٢
ودهش، بفتح الدال وكسر الهاء صفة مشبهة، أي: متحير مدهوش. قوله: (فوثئت)، بضم الواو وكسر الثاء المثلثة من الوثأ، وهو: أن يصيب العظم وصم لا يبلغ الكسر، وذكر ثعلب هذه المادة في باب المهموز من الفعل، يقال: وثئت يده فهي موثوءة ووثأتها أنا. وأما ابن فارس فقال: وقد يهمز، وقال الخطابي: والواو مضمومة على بناء الفعل لما لم يسم فاعله. قوله: (ما أنا ببارح) أي: بذاهب. قوله: (الناعية)، بالنون وكسر العين المهملة على وزن فاعلة: من النعي، وهو الإخبار، بالموت، ويروى: (الواعية)، أي: الصارخة التي تندب القتيل، والوعي الصوت. قال صاحب (العين): الوعي جلبة وأصوات الكلاب في الصيد، وقال: الداعية التي تدعو بالويل والثبور وهي النائحة. قوله: (سمعت نعايا أبا رافع) كذا الرواية، وصوابه: نعاي، بغير ألف، كذا تقوله النحاة، وقال الخطابي: هكذا يروى: (نعايا أبي رافع) وحقه أن يقال: نعاي أبي رافع أي: انعوا أبا رافع، كقولهم: دراك بمعنى: أدركوا، وزعم سيبويه أنه يطرد هذا الباب في الأفعال الثلاثية كلها أن يقال فيها: فعال، بمعنى: إفعل، نحو، حذار ومناع ونزال، كم تقول: أنزل واحذر وامنع، وقال الأصمعي: كانت العرب إذا مات فيهم ميت ركب راكب فرسا وجعل يسير في الناس، ويقول: نعاء فلانا، أي: أنعه وأظهر خبر وفاته، قال أبو نصر: وهي مبنية على الكسر، وقال الداودي: نعايا جمع ناعية، والأظهر أنه جمعي، مثل: صفايا جمع صفي، وفي (المطالع): نعايا أبي رافع هو جمع نعي أي: أصوات المنادين بنعيه من الرجال والنساء، وقد يحتمل أن تكون هذه الكلمة كما جاء في الخبر الآخر في حديث شداد بن أوس: نعايا العرب، كذا في الحديث، قال الأصمعي: إنما هو: يا نعاء العرب، أي: يا هؤلاء انعوا العرب، وقال الكرماني: يحتمل أن نعاء من أسماء الأفعال، وقد جمع على نحو خطايا شاذا. ويحتمل أن يكون جمع نعي أو ناعية. قلت: هو من أسماء الأفعال بلا احتمال، لأنه بمعنى: انعوا، كما ذكرنا، وقوله: أو ناعية، نقله من كلام الداودي، وفيه نظر لا يخفى. قوله: (وما بي قلبة) بالقاف واللام والباء الموحدة المفتوحات أي: ما بي علة، قال الفراء: أصله من القلاب، وهو داء يصيب الإبل، وزاد الأصمعي: تموت من يومها به، فقيل ذلك لكل سالم ليس به علة. وقال ابن الأعرابي: معناه ليست به علة يقلب لها فينظر إليه، وأصل ذلك في الدواب، وعن الأصمعي معناه: ما به داء، وهو من القلاب داء يأخذ الإبل في رؤوسها فيقلبها إلى فوق، وقال الفراء: ما به علة يخشى عليه فيها، وهو من قولهم: قلب الرجل إذا أصابه وجع في قلبه، وليس يكاد يفلت منه، وقال غيره: ما به شيء يقلقه فيقلب منه على فراشه، وقال النحاس: حكى عبد الله بن مسلم أن بعضهم يقول في هذا أي: ما به حول، ثم استعير من هذا الأصل لكل سالم ليست به آفة. قوله: (فأخبرناه) أي: أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، بموت أبي رافع.
ثم إن الذي يظهر من هذا الحديث أن الذي قتله هو عبد الله بن عتيك، وقال ابن سعد وغيره: لما ذهب الجماعة المذكورون إلى خيبر كمنوا، فلما هدأت الرجل جاؤوا إلى منزله فصعدوا درجة له وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية، واستفتح، وقال: جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته، فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت، فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه كأنه قبطية فعلوه بأسيافهم. قال ابن أنس: وكنت رجلا أعشى لا أبصر فأتكيء بسيفي على بطنه حتى سمعت حسه في الفراش وعرفت أنه قضى، وجعل القوم يضربونه جميعا، ثم نزلوا وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار واختبأ القوم في بعض مياه خيبر، وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران فلم يجدوهم فرجعوا، ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب، ثم خرجوا إلى المدينة وكلهم يدعي قتله، فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم أسيافهم فنظر إليها فإذا أثر الطعام في ذبابة سيف ابن أنيس، فقال: هذا قتله.
وفي كتاب (دلائل النبوة): قتله ابن عتيك ودفف عليه ابن أنيس.
وفي (الإكليل) عن ابن أنيس، قال: ظهرت أنا وابن عتيك وقعد أصحابنا في الحائط، فاستأذن ابن عتيك فقالت امرأة ابن أبي الحقيق: إن هذا لصوت ابن عتيك، فقال ابن أبي الحقيق: ثكلتك أمك *، ابن عتيك بيثرب، أنى هو هذه الساعة؟ افتحي، فإن الكريم لا يرد على بابه هذه الساعة أحدا، ففتحت فدخلت أنا وابن عتيك، فقال لابن عتيك: دونك، فشهرت عليها السيف فأخذ ابن أبي الحقيق وسادة فاتقاني بها، فجعلت أريد أن أضربه فلا أستطيع، فوخزته بالسيف وخزا ثم خرجت إلى ابن أنيس، فقال: اقتله؟ قلت: نعم.
وقال الواقدي: كانت أم ابن عتيك التي أرضعته يهودية
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»