55 ((كتاب الوصايا)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام الوصايا، وهو جمع وصية من: أوصى يوصي إيصاء، ووصية ووصى يوصي توصية، وذلك موصى إليه، وأوصى لفلان بكذا أي: جعل له من ماله، وذلك موصى له، والوصاية، بفتح الواو بمعنى الوصية، وبكسرها مصدر وأوصى إلى فلان بكذا أي جعله وصيا وذلك موصى إليه. قال الجوهري: أوصيت له بشيء وأوصيت إليه إذا جعلته وصيك. والاسم الوصاية بفتح الواو وكسرها، وإوصيته ووصيته إيصاء ووصية وتوصية بمعنى، والاسم الوصاءة. قلت: الوصية في الشرع تمليك مضاف إلى ما بعد الموت. وقال الأزهري: الوصية من وصيت الشيء بالتخفيف أصيه، إذا وصلته، وسميت: وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بما بعد مماته، ويقال: وصاه ووصاه بالتخفيف بغير همز، ويطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات، والحث على المأمورات.
1 ((باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم وصية الرجل مكتوبة عنده)) أي: هذا باب في بيان ما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وصية الرجل مكتوبة عنده)، ووقع في بعض النسخ، هكذا: كتاب الوصايا: بسم الله الرحمن الرحيم: (باب الوصايا وقول النبي، صلى الله عليه وسلم وصية الرجل مكتوبة عنده)، ووقع للنسفي: (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصايا)، ولم يقع في بعض النسخ لفظ: باب، ووقع كذا: (كتاب الوصايا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم، وصية الرجل مكتوبة عنده، وهذا تعليق أسنده بعد، وهو قوله: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، فكأنه نقله معلقا بالمعنى. وقوله: (وصية الرجل) مبتدأ، وقوله: (مكتوبة عنده)، خبره، والمعنى: وصية الرجل ينبغي أن تكون مكتوبة عنده، وإنما ذكره بهذه الصورة قصدا للمبالغة وحثا على كتابة الوصية.
وقول الله تعالى * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين * فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) * (البقرة: 081، 281).
وقول الله، بالجر عطف على قوله: قول النبي، صلى الله عليه وسلم، وفي بعض النسخ: (وقال الله تعالى: * (كتب عليكم..) * (البقرة: 081، 281). إلى آخره، وهذه الآيات الثلاث مذكورة هكذا عند الأكثرين، وعند النسفي الآية الأولى. فقط. وقوله: * (كتب عليكم) * (البقرة: 081، 281). الآية، اشتملت على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجبا على أصح القولين قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية المواريث نسخت هذه وصارت المواريث المقررة فريضة من الله تعالى يأخذها أهلوها حتما من غير وصية، ولا تحمل أمانة الوصي، ولهذا جاء في الحديث في (السنن) وغيرها، عن عمرو بن خارجة، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطب وهو يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج بن محمد أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قوله: الوصية للوالدين والأقربين، نسختها هذه الآية: * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) * (النساء: 7). ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمرو وأبي موسى وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وعكرمة وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وطاووس وإبراهيم النخعي وشريح والضحاك والزهري: أن هذه الآية منسوخة، نسختها آية المواريث، والعجب من الرازي كيف حكى في (تفسيره الكبير) عن أبي مسلم الأصفهاني: أن هذه الآية غير منسوخة، وإنما هي مفسرة بآية المواريث، ومعناه: كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين، من قوله: * (يوصيكم الله في أولادكم) * (النساء: 11). قال: