عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ١٥
الأحنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وبعثا به مع مولى لهما ورجل من بني عامر استأجراه ببكرين. قوله: (فاستله الآخر) أي: صاحب السيف، أخرجه من غمده. قوله: (فأمكنه منه)، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فأمكنه به، أي: بيده. قوله: (حتى برد)، بفتح الباء الموحدة وفتح الراء أي: مات، وهو كناية لأن البرودة لازم الموت، وفي رواية ابن إسحاق: فعلاه حتى قتله. قوله: (وفر الآخر)، وفي رواية ابن إسحاق: وخرج المولى يشتد هربا. قوله: (ذعرا)، بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة أي: فزعا وخوفا. قوله: (قتل والله صاحبي) على صيغة المجهول، وفي رواية ابن إسحاق: قتل صاحبكم صاحبي. قوله: (وإني لمقتول)، يعني: إن لم تردوه عني. ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة: فرده رسول الله، صلى الله عليه وسلم إليهما، فأوثقاه حتى إذا كانا ببعض الطريق ناما، فتناول السيف بفيه، فأمره على الإسار فقطعه وضرب أحدهما بالسيف وطلب الآخر فهرب. وفي رواية الأوزاعي عن الزهري عند ابن عائذ في (المغازي): وجمز الآخر واتبعه أبو بصير حتى دفع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم في أصحابه وهو عاض على أسفل ثوبه وقد بدا طرف ذكره، والحصى يطن من تحت قدميه من شدة عدوه، وأبو بصير يتبعه. قوله: (قد والله أوفى الله ذمتك) أي: ليس عليك عتاب منهم فيما صنعت أنا، وكان القياس أن يقال: والله قد أوفى الله، ولكن القسم محذوف، والمذكور مؤكد له. قوله: (ويل أمه)، بضم اللام وقطع الهمزة وكسر الميم المشددة، وهي كلمة: أصلها دعاء عليه، واستعمل هنا للتعجب من إقدامه في الحرب، والإيقاد لنارها وسرعة النهوض لها) يروى: (ويلمه)، بحذف الهمزة تخفيفا، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق، أو هو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو ويل لأمه. وقال الجوهري: إذا أضفته فليس فيه إلا النصب، والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر. وقال الفراء: وأصل قولهم: ويل فلان: وي لفلان، أي: حزن له، فكثر الاستعمال فألحقوا بها اللام فصارت كأنها منها، وأعربوها. وقال الخليل: إن: وي، كلمة تعجب، وهي من أسماء الأفعال، واللام بعدها مكسورة، ويجوز ضمها اتباعا للهمزة، وحذفت الهمزة تخفيفا. قوله: (مسعر حرب، بكسر الميم على لفظ الآلة، من الإسعار، وانتصابه على التمييز، وأصله: من مسعر حرب، ووقع في رواية ابن إسحاق: (محش حرب)، بحاء مهملة وشين معجمة وهو بمعنى: مسعر، وهو العود الذي تحرك به النار. قوله: (لو كان له أحد)، جواب: لو، محذوف أي: لو فرض له أحد ينصره ويعاضده. قوله: (سيف البحر)، بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها فاء أي: ساحله وعين ابن إسحاق المكان فقال: حتى نزل العيص، بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها صاد مهملة، وكان طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام. قوله: (وينفلت منهم أبو جندل)، أي: من أبيه وأهله، وهو من الإنفلات، بالفاء والتاء المثناة من فوق: وهو التخلص. فإن قلت: ما النكتة في تعبيره المستقبل؟ قلت: إرادة مشاهدة الحال كما في قوله تعالى: * (الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا) * (فاطر: 9). وفي رواية أبي الأسود عن عروة: (وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا مسلمين، فلحقوا بأبي بصير، فنزلوا قريبا من ذي المروة على طريق عير قريش، فقطعوا مارتهم). قوله: (حتى اجتمعت منهم عصابة) أي: جماعة ولا واحد لها من لفظها، وهي تطلق على أربعين فما دونها، وفي رواية ابن إسحاق: أنهم بلغوا نحوا من سبعين نفسا، وجزم عروة في (المغازي): بأنهم بلغوا سبعين، وزعم السهيلي: أنهم بلغوا ثلاثمائة رجل، وزاد عروة: فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا المدينة في مدة الهدنة خشية أن يعادوا إلى المشركين، وسمى الواقدي منهم: الوليد بن الوليد بن المغيرة وهذا كله يدل على أن العصابة تطلق على أكثر من أربعين. قوله: (لا يسمعون بعير)، أي: بخبر عير، بكسر العين المهملة: وهي القافلة. قوله: (فأرسلت قريش) وفي رواية أبي الأسود عن عروة: فأرسلوا أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي جندل ومن معه، قالوا: ومن خرج منا إليك فهو لك. قوله: (يناشده) أي: يناشد رسول الله، صلى الله عليه وسلم (بالله والرحم) أي: يسألونه بالله وبحق القرابة. قوله: (لما أرسل) كلمة: لما، بتشديد الميم هنا بمعنى إلا، أي: إلا أرسل، كقوله تعالى: * (إن كل نفس لما عليها حافظ) * (الطارق: 4). أي: إلا عليها حافظ، والمعنى هنا: لم تسأل قريش من رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلا إرساله إلى أبي بصير وأصحابه بالامتناع عن إيذاء قريش. قوله: (فمن
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»