وهو قول أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء، قال: ومنهم من قال: إنها منسوخة فيمن يرث، ثابتة فيمن لا يرث، وهو مذهب ابن عباس والحسن ومسروق والضحاك ومسلم بن يسار والعلاء بن زياد، قال ابن كثير: وبه قال أيضا سعيد بن جبير والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان، ولكن على قول هؤلاء لا يسمى نسخا في اصطلاحنا المتأخر، لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصية، لأن الأقربين أعم ممن يرث ومن لا يرث، فرفع حكم من يرث بما عين له وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى، وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم: إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبا حتى نسخت، فأما من قال: إنها كانت واجبة، وهو الظاهر من سياق الآية فتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث، كما قاله أكثر المفسرين، والمعتبرون من الفقهاء، فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع، بل منهي عنه للحديث المتقدم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، فآية المواريث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل الفروض والعصبات، رفع بها حكم هذه بالكلية بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم، يستحب له أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية وشمولها، والآيات والأحاديث بالأمر ببر الأقارب والإحسان إليهم كثيرة جدا. قوله: * (إن ترك خيرا) * (البقرة: 081). أي: مالا، قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبو العالية وعطية العوفي والضحاك والسدي والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم، ثم منهم من قال: الوصية مشروعة، سواء قل المال أو كثر، كالوراثة. ومنهم من قال: إنما يوصي إذا ترك مالا جزيلا ثم اختلفوا في مقداره، فقال ابن أبي حاتم، بإسناده إلى عروة، قال: قيل لعلي، رضي الله تعالى عنه: إن رجلا من قريش قد مات وترك ثلاثمائة دينارا، أو أربعمائة دينار، ولم يوص! قال: ليس بشيء، إنما قال الله: * (إن ترك خيرا) * (البقرة: 081). وقال الحاكم بن أبان: حدثني عكرمة عن ابن عباس: إن ترك خيرا، قال ابن عباس: من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا. وقال الحكم: قال طاووس: لم يترك خيرا من لم يترك ثمانين دينارا. وقال قتادة: كان يقال: ألفا، فما فوقها. قوله: * (بالمعروف) * (البقرة: 081). أي: بالرفق والإحسان، وقال الحسن: المعروف أن يوصي لأقربائه وصية لا يجحف ورثته من غير إسراف ولا تقتير. قوله: * (حقا) * (البقرة: 081). أي: واجبا على المتقين الذي يتقون الشرك. قوله: * (فمن بدله) * (البقرة: 181). أي: فمن بدل ما ذكر من الوصية بعدما سمعه، والتبديل يكون بالتحريف وتغيير الحكم، وبالزيادة وبالنقصان أو بالكتمان. وقال ابن عباس وغير واحد: قد وقع أجر الميت على الله وتعلق الإثم بالذين بدلوا * (إن الله سميع عليم) * (البقرة: 181). أي: قد اطلع على ما أوصى به الميت، وهو عليم بذلك، ومما بدله الموصى إليهم. قوله: * (فمن خاف من موص) * (البقرة: 281). أي: فمن خشي، وقيل: علم، لأن الخوف يستعمل بمعنى العلم، كما في قوله تعالى: * (وانذر به الذين يخافون) * (الأنعام: 15). * (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * (البقرة: 922). * (وإن خفتم شقاق بينهما) * (النساء: 53). قرىء بالتشديد والتخفيف، والجنف الميل على ما نذكره عن قريب، وقرأ علي، رضي الله تعالى عنه: (حيفا) بالحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف. قوله: * (فأصلح بينهم) * (البقرة: 281). أي: بين الورثة والمختلفين في الوصية. * (فلا إثم عليه) * (البقرة: 281). لأنه متوسط، وليس بمبدل * (إن الله غفور رحيم) * (البقرة: 281). حيث لم يجعل على عباده حرجا في الدين.
جنفا ميلا متجانف مائل هذا من تفسير البخاري، وهو منقول عن عطاء، رواه الطبري عنه كذا بإسناد صحيح. قوله: (متجانف مائل) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: متمايل، وقال أبو عبيد: غير متجانف لإثم أي: غير متعوج مائل: للإثم، ونقل الطبري عن ابن عباس وغيره أن معناه غير متعمد لإثم.
8372 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده.
مطابقته للترجمة باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم ظاهرة، والحديث رواه عبد الله بن نمير وعبيدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر