عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢٢٦
حريب ووفد عبد القيس وغيرهم، وكانت الهجرة فرضا على أهل مكة إلى الفتح، ثم زالت الهجرة التي توجب المقام مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى وفاته ثم يرجع المهاجر كما فعل صفوان. قوله: (قال: على الإسلام) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبايعكم على الإسلام والجهاد إذا احتيج إليه، والله أعلم.
111 ((باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون)) أي: هذا باب في بيان أن عزم الإمام على الناس إنما يكون فيما يطيقونه، يعني: وجوب طاعة الإمام إنما يكون عند الطاقة والعزم هو الأمر الجازم الذي لا تردد فيه.
4692 حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال قال عبد الله رضي الله تعالى عنه لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أرد عليه فقال أرأيت رجلا مؤديا نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها فقلت له والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة حتى نفعله وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشناه منه وأوشك أن لا تجدوه والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب صفوه وبقي كدره.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (في أشياء لا نحصيها) أي: لا نطيقها من قوله تعالى: * (علم أن لن تحصوه) * (المزمل: 02). وقال الداودي: ويحتمل أن يريد: لا ندري هل هو طاعة أم معصية؟ قلت: المعنى الأول هو الأوجه، لأن المطابقة للترجمة لا تحصل إلا به، ورجاله قد ذكروا غير مرة، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، ورجال هذا الإسناد كلهم كوفيون.
قوله: (رجل فاعل: أتاني، ولم يدر اسمه. قوله: (ما أرد عليه))، جملة في محل نصب على أنها مفعول قوله: ما دريت. قوله: (أرأيت) أي: أخبرني. قوله: (مؤديا) بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الدال، يعني: ذا أداة للحرب كاملة، ولا يجوز حذف الهمزة منه حتى لا يتوهم أنه من: أودى، إذا هلك، وقال الكرماني: معناه: قويا متمكنا، وكذا فسره الداودي، والأول أظهر. قوله: (نشيطا) بفتح النون وكسر الشين المعجمة من: النشاط، وهو الأمر الذي تنشط له وتخف إليه وتؤثر فعله. قوله: (لا نحصيها)، قد مر تفسيره. قوله: (يخرج)، قال بعضهم: كذا في الرواية بالنون. قلت: مجرد الدعوى أن الرواية بالنون لا يسمع، بل يحتاج ذلك إلى البرهان، بل الظاهر أنه بالياء آخر الحروف، والضمير الذي فيه يعود إلى قوله: رجل، وأيضا فإن في رواية النون قلقا في التركيب على ما لا يخفى. فإن قلت: إذا كان يخرج الياء، كان مقتضى الكلام أن يقول: مع أمرائه، بلفظ الغائب ليوافق: رجلا. قلت: هذا من باب الالتفات، وهو نوع من أنواع البديع، وقال الكرماني: معنى رجلا أن أحدنا يخرج مع أمرائنا، والذي قلت: هو الأوجه، فلا حاجة إلى هذا التعسف. قوله: (فيعزم علينا)، أي: الأمير يشدد علينا في أشياء لا نطيقها. وقال الكرماني: فيعزم إن كان بلفظ المجهول فهو ظاهر، يعني: لا يحتاج إلى تقدير الفاعل ظاهرا هذا إن كان جاءت به رواية. قوله: (حتى نفعله)، غاية لقوله: لا يعزم، أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى، وهو مرة، وحاصل السؤال أن قوله: أرأيت، بمعنى: أخبرني، كما ذكرنا، وفيه نوعان من التصرف: إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار، وإطلاق الاستفهام وإرادة الأمر، فكأنه قال: أخبرني عن حكم هذا الرجل: يجب عليه مطاوعة الأمير أم لا؟ فجوابه: وجوب المطاوعة، ويعلم ذلك من الاستثناء، إذ لولا صحته لما أوجبه الرسول عليهم، ويحتمل عزمه صلى الله عليه وسلم تلك المرة على ضرورة كانت باعثة له عليه. قوله: (وإذا شك في نفسه شيء) هو من باب القلب، وأصله: شك نفسه في شيء، أو شك بمعنى لصق. وقوله: شيء، أي: مما تردد فيه أنه جائز أو غير جائز. قوله: (فشفاه منه)، أي: أزال مرض التردد فيه، وأجاب له بالحق. قوله: (وأوشك)، أي: كاد أن لا يجدوا في الدنيا أحدا، يفتي بالحق ويشفي القلوب عن الشبه
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»