عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢١٥
والحارث بن مسكين قوله ' حتى يصبح ' المراد به دخول وقت الصبح وهو طلوع الفجر فإن قلت روى مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال فأتيناهم حين بزغت الشمس فما الجمع بين الحديثين قلت قال شيخنا الجواب أنهم صلوا الصبح بغلس قبل أن يدخلوا زقاق خيبر الذي أجرى فيه رسول الله كما ثبت في الصحيحين وأنهم وصلوا إلى القرية حين بزغت الشمس قوله ' بمساحيهم ' بتخفيف الياء جمع مسحاة بكسر الميم والميم زائدة لأنه مأخوذ من سحوت الطين عن وجه الأرض وسحيته إذا جرفته وقال الجوهري المسحاة كالمجرفة إلا أنها من حديد والمكاتل جمع مكتل بكسر الميم والميم فيه أيضا زائدة وقال ابن عبد البر المكاتل القفاف وقال الجوهري المكتل شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعا قوله ' محمد ' أي جاء محمد قوله ' والخميس ' عطف عليه وهو الجيش والسبب في تسميته بالخميس أنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساق قوله ' الله أكبر ' المشهور في الرواية التكبيرة مرة وفي رواية الطبراني من حديث أبي طلحة تكراره ثلاثا وهو حسن قوله ' خربت خيبر ' فيه سجع ولا بأس به إذا لم يكن في ذلك تكلف وقوله ' خربت خيبر ' يحتمل أن يكون قاله بوحي من الله في أنه يغلب عليها ويخربها ويحتمل أن يكون تفاؤلا بذلك على عادة العرب في جزمهم بالأمور والإخبار عن وقوعها بصيغة الماضي قبل وقوعها إذا كان ذلك متوقعا قريبا وقيل سبب تفاؤله بذلك لما رأى من آلات الحراب معهم من المساحي والمكاتل قوله ' إنا إذا نزلنا ' إلى آخره فيه الاستشهاد بالقرآن فيما يحسن ويجمل * وفي هذا الحديث الحكم بالدليل لكونه كف عن القتال بمجرد سماع الأذان * - 6492 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثنا سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إلاه إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله.
مطابقته للترجمة من حيث إن في قتاله معهم إلى أن يقولوا: لا إلاه إلا الله، دعوته إياهم إلى الإسلام حتى إذا قالوا: لا إلاه إلا الله، يرفع القتال لكنه، صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث في حال قتاله لأهل الأوثان الذين كانوا لا يقرون بالتوحيد، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: * (إنهم كانوا إذا قيل لهم: لا إلاه إلا الله يستكبرون) * (الصافات: 53). فدعاهم إلى الإقرار بالوحدانية وخلع ما دونه من الأوثان، فمن أقر بذلك منهم كان في الظاهر داخلا في صفة الإسلام، وأما الآخرون من أهل الكفر الذين كانوا يوحدون الله تعالى غير أنهم ينكرون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم في هؤلاء: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلاه إلا الله ويشهدوا أن محمدا رسول الله، فإسلام هؤلاء الإقرار بما كانوا به جاحدين، كما كان إسلام أولئك إقرارهم بالله أنه واحد لا شريك له وعلى هذا تحمل الأحاديث، وقد مر الكلام فيه في حديث ابن عمر في كتاب الإيمان في: باب * (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) * (التوبة: 5 و 11).
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وهذا السند بعين هؤلاء الرجال قد مرغير مرة على نسق واحد.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الجهاد عن عمرو بن عثمان وعن أحمد بن محمد بن المغيرة.
قوله: (أمرت)، على صيغة المجهول، يدل على أن الله تعالى أمره، وإذا قال الصحابي ذلك فهم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أمره. قوله: (حتى يقولوا)، كلمة: حتى، للغاية، وقد جعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غاية المقاتلة القول بقول: لا إلاه إلا الله، وفي حديث ابن عمر بالشهادتين والتوفيق بينهما ما ذكرناه الآن. قوله: فقد عصم أي حفظ وحقن معنى العصم في اللغة وقال الجوهري والعصمة الحفظ قوله إلا بحقه أي إلا بحق لا إلاه إلا الله الذي هو الإسلام في حق المشركين عبدة الأوثان، وحقه ثلاثة أشياء: قتل النفس المحرمة، والزنا بعد الإحصان، والارتداد عن الدين. قوله: (وحسابه على الله)، أي: فيما يسر به من الكفر والمعاصي، والمعنى: إنا نحكم عليه بالإسلام، ونؤاخذه بحقوقه بحسب ما يقتضيه ظاهر حاله، والله سبحانه وتعالى يتولى حسابه فيثيب المخلص ويعاقب المنافق
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»