ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان، وقيل: حديث الباب يرد هذا كله، لأن ظاهر النهي فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم، سواء كان ذلك بوحي أو باجتهاد منه، صلى الله عليه وسلم. وقال ابن العربي في هذا نسخ الحكم قبل العمل به. ومنع منه المبتدعة والقدرية، وقال الحازمي: ذهبت طائفة إلى منع الإحراق في الحدود، قالوا: يقتل بالسيف، وإليه ذهب أهل الكوفة النخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، ومن الحجازيين: عطاء، وذهبت طائفة في حق المرتد إلى مذهب علي، رضي الله تعالى عنه، وقالت طائفة: من حرق يحرق، وبه قال مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق.
وفي الحديث: جواز الحكم احتهادا، ثم الرجوع عنه، واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الإلباس. وفيه: نسخ السنة بالسنة وهو بالاتفاق. وفيه: جواز نسخ الحكم قبل العلم به، أو قبل التمكن من العمل به، وفي الأخير خلاف علم في موضعه. وفيه: مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده وتوديع أصحابه له أيضا.
801 ((باب السمع والطاعة للإمام)) أي: هذا باب في بيان وجوب السمع والطاعة للإمام، زاد الكشميهني في روايته: ما لم يأمر بمعصية، وهذا القيد مراد وإن لم يذكر، ونص الحديث يدل عليه.
5592 حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني محمد بن صباح قال حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
(الحديث 5592 طرفه في: 4417).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
وأخرجه من طريقين: الأول: عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن لخطاب عن نافع عن عبد الله بن عمر، وأخرجه البخاري أيضا في الأحكام، وأخرجه مسلم في المغازي عن زهير ابن حرب. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن مسدد به. الطريق الثاني: عن محمد بن صباح، بتشديد الباء الموحدة: عن إسماعيل ابن زكرياء الخلقاني عن عبيد الله... إلى آخره.
قوله: (السمع)، أي: إجابة قول الأمير، إذ طاعة أوامرهم واجبة ما لم يأمر بمعصية وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويأتي من حديث علي بلفظ: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف.
وفي الباب عن عمران بن حصين أخرجه النسائي، والحكم بن عمر وأخرجه الطبراني وابن مسعود وغيرهم، وذكر عياض: أجمع العلماء على وجوب طاعة الإمام في غير معصية وتحريمها في المعصية، وقال ابن بطال: احتج بهذا الخوارج فرأوا الخروج على أئمة الجور والقيام عليهم عند ظهور جورهم، والذي عليه الجمهور: أنه لا يجب القيام عليهم عند ظهور جورهم ولا خلعهم إلا بكفرهم بعد إيمانهم، أو تركهم إقامة الصلوات، وأما دون ذلك من الجور فلا يجوز الخروج عليهم إذا استوطن أمرهم وأمر الناس معهم، لأن في ترك الخروج عليهم تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء، وفي القيام عليهم تفرق الكلمة، ولذلك لا يجوز القتال معهم لمن خرج عليهم عن ظلم ظهر منهم، وقال ابن التين: فأما ما يأمر به السلطان من العقوبات فهل يسع المأمور به أن يفعل ذلك من غير ثبت أو علم يكون عنده بوجوبها؟ قال مالك: إذا كان الإمام عدلا كعمر بن الخطاب أو عمر بن العزيز، رضي الله تعالى عنهما، لم تسمع مخالفته وإن لم يكن كذلك وثبت عنده الفعل جاز، وقال أبو حنيفة وصاحباه: ما أمر به الولاة من ذلك غيرهم يسعهم أن يفعلوه فيما كان ولايتهم إليه، وفي رواية عن محمد: لا يسع المأمور أن يفعله حتى يكون الآمر عدلا، وحتى يشهد بذلك عنده عدل سواء إلا في الزنا فلا بد من ثلاثة سواء، وروي نحو الأول عن الشعبي، رحمه الله.