الواو والميم والسين، ورواه ابن الوليد عن ابن السماك: المآميس، بالهمز، فإن صح الهمز فهو من: ماس الرجل، إذا لم يلتفت إلى موعظة، ومأس ما بين يدي القوم: أفسد، وهذا بمعنى المجاهرة والاستهتار، ويكون وزنه على هذا: فعاليل. قوله: (في صومعته)...
. قوله: (فكلمته)، أي: في ترغيبه في مباشرتها. قوله: (فولدت)، فيه حذف كثير تقديره: فأمكنته من نفسها، يعني: زنى بها فحبلت ثم ولدت غلاما، فقالت: أي المرأة، هو، أي: الغلام، من جريج. قوله: (ثم أتى الغلام)، بالنصب أي: الطفل الذي في المهد قبل زمان تكلمه. قوله: (قال: لا) أي: قال جريج: لا تبنوها إلا من طين، وقال ابن مالك: فيه شاهد على حذف المجزوم: بلا، كما قدرناه.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: الاحتجاج بأن شرع من قبلنا شرع لنا، وقال الكرماني: واحتج البخاري به على الترجمة بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا، وفيه نظر، لأن شرعنا أوجب المثل في المثليات، والحائط متقوم لا مثلي. انتهى. قلت: شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يقص الله علينا بالإنكار، وقد قلنا: إن الحائط إذا كان من خشب يكون من ذوات القيم، وإن كان من الطين والحجر يبنى بأن يعاد مثله. وفيه: أن الطفل يدعى غلاما وفيه: أنه أحد من تكلم في المهد، وقال الضحاك: تكلم في المهد ستة: شاهد يوسف، عليه الصلاة والسلام، وابن ماشطة فرعون، وعيسى، ويحيى، عليهما الصلاة والسلام، وصاحب جريج، وصاحب الأخدود. وفيه: المطالبة، كما طالبت بنو إسرائيل جريجا بما ادعته المرأة عليه، وأصل هذه المطالبة أن أهل تلك البلدة كانوا يعظمون أمر الزنا، فظهر أمر تلك المرأة في البلد، فلما وضعت حملها أخبر الملك أن امرأة قد ولدت من الزنا، فدعاها فقال لها: من أين لك هذا الولد؟ قالت: من جريج الراهب، قد واقعني. فبعث الملك أعوانه إليه وهو في الصلاة فنادوه فلم يجبهم حتى جاؤوا إليه بالمرو والمساحي وهدموا صومعته وجعلوا في عنقه حبلا وجاؤا به إلى الملك، فقال له الملك: إنك قد جعلت نفسك عابدا ثم تهتك حريم الناس وتتعاطى ما لا يحل له؟ قال: أي شيء فعلت؟ قال: إنك زنيت بامرأة كذا. فقال: لم أفعل، فلم يصدقوه وحلف على ذلك فلم يصدقوه، فقال: فردوني إلى أمي، فردوه إليها فقال لها: يا أماه إنك دعوت الله علي فاستجاب الله دعاءك، فادعى الله أن يكشف عني بدعائك. فقالت: اللهم إن كان جريج إنما أخذته بدعوتي فاكشف عنه، فرجع جريج إلى الملك، فقال: أين هذه المرأة؟ وأين هذا الصبي؟ فجاؤوا بهما، فسألوهما، فقالت المرأة: بلى هذا الذي فعل بي، فوضع جريج يديه على رأس الصبي، وقال: بحق الذي خلقك أن تخبرني من أبوك؟ فتكلم الصبي بإذن الله تعالى، وقال: إن أبي فلان الراعي، فلما سمعت المرأة بذلك اعترفت، وقالت: كنت كاذبة، وإنما فعل بي فلان الراعي. وفي رواية أخرى أن المرأة كانت حاملا لم تضع بعد، فقال لها: أين أصبتك؟ قالت: تحت شجرة، وكانت الشجرة بجنب صومعته، قال جريج: أخرجوا إلى تلك الشجرة، ثم قال: يا شجرة! أسألك بالذي خلقكك أن تخبريني من زنى بهذه المرأة؟ فقال كل غصن منها: راعي الغنم، ثم طعن بإصبعه في بطنها، وقال: يا غلام! من أبوك؟ فنادى من بطنها: أبي راعي الغنم، فعند ذلك اعتذر الملك إلى جريج، وقال: إئذن لي أن أبني صومعتك بالذهب؟ قال: لا. قال: فبالفضة؟ قال: لا، ولكن بالطين كما كان، فبنوه بالطين كما كان، هكذا ساق هذه القصة الإمام أبو الليث السمرقندي في كتاب (تنبيه الغافلين)، وذكر أبو الليث عن يزيد بن حوشب الفهري عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان جريج الراهب فقيها لعلم أن إجابة أمه أفضل من عبادة ربه). وفيه: إثبات الكرامة للأولياء. وقال ابن بطال: يمكن أن يكون جريج نبيا، لأن النبوة كانت ممكنة في بني إسرائيل غير ممتنعة عليهم، ولا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فليس يجري من الآيات بعده ما يكون خرقا للعادة ولا قلب العين، وإنما يكون كرامة لأوليائه، مثل: دعز مجابة ورؤيا صالحة وبركة ظاهرة وفضل بين وتوفيق من الله تعالى إلى الإبراء مما اتهم به الصالحون وامتحن به المتقون. وفيه: أن دعاء الأم أو الأب على ولده، إذا كان بنية خالصة، قد يجاب، وإن كان في حال الضجر. وفيه: أيضا خلاص الولد من بلية باتلي بها ببركة دعاء والديه. وفيه: دليل أن الوضوء كان لغير هذه الأمة أيضا إلا أن هذه الأمة قد خصت بالغرة والتحجيل خلافا لمن خصها بأصل الوضوء.
بسم الله الرحمان الرحيم