عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٤١
التفاضل فيه، وكذا كل ما جاز بالتفاضل مما يكال أو يوزن من المطعومات ونحوها، هذا إذا كانت المجازفة في القسمة. وقلنا: القسمة بيع، وقال ابن بطال: قسمة الذهب بالذهب مجازفة والفضة بالفضة مما لا يجوز بالإجماع. وأما قسمة الذهب مع الفضة مجازفة، فكرهه مالك وأجازه الكوفيون والشافعي وآخرون، وكذلك: لا يجوز قسمة البر مجازفة، وكل ما حرم فيه التفاضل. قوله: (لما لم ير المسلمون) اللام فيه مكسورة والميم مخففة، هذا تعليل لعدم جواز قسمة الذهب بالذهب والفضة بالفضة مجازفة، أي: لأجل عدم رؤية المسلمين بالنهد بأسا، جوزوا مجازفة الذهب بالفضة لاختلاف الجنس، بخلاف مجازفة الذهب بالذهب والفضة بالفضة لجريان الربا فيه، فكما أن مبني النهد على الإباحة، وإن حصل التفاوت في الأكل، فكذل مجازفة الذهب بالفضة وإن كان فيه التفاوت بخلاف الذهب بالذهب والفضة بالفضة، لما ذكرنا. قوله: (أن يأكل هذا بعضا) تقديره: بأن يأكل، وأشار به إلى أنهم كما جوزوا النهد الذي فيه التفاوت، فكذلك جوزوا مجازفة الذهب والفضة مع التفاوت، لما ذكرنا. قوله: (والقران في التمر)، بالجر، ويروى: والإقران، عطف على قوله: أن يأكل هذا بعضا، أي: بأن يأكل هذا تمرتين تمرتيين، وهذا تمرة تمرة.
وقد مر الكلام فيه مستوفى في حديث ابن عمر في كتاب المظالم في: باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز.
3842 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة ابن الجراح وهم ثلاثمائة وأنا فيهم فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد ذالك الجيش فجمع ذالك كله فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة فقلت وما تغني تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال ثم انتهينا إلاى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منه ذالك الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك ذلك كله) ولما كان يفرق عليهم كل يوم قليلا قليلا صار في معنى النهد، واعترض بأنه ليس فيه ذكر المجازفة، لأنهم لم يريدوا المبايعة ولا البدل. وأجيب: بأن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعه، فتناولوه مجازفة كما جرت العادة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك، وفي الجهاد عن صدقة بن الفضل. وأخرجه مسلم في الصيد عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد ابن عبدة به وعن محمد بن حاتم عن ابن مهدي عن مالك به وعن أبي كريب عن أبي أسامة. وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد بن السري، وأخرجه النسائي في الصيد وفي السير عن محمد بن آدم وعن الحارث ب مسكين. وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ذكر معناه: قوله: (بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثا) كان هذا البعث في رجب سنة ثمان للهجرة، والبعث، بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة: وهو بمعنى المبعوث، من باب تسمية المفعول بالمصدر. قوله: (قبل الساحل)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي: جهة الساحل، والساحل شاطىء البحر. قوله: (فأمر)، بتشديد الميم: من التأمير، أي: جعل أبا عبيدة أميرا عليهم، واسم أبي عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح، بفتح الجيم وتشديد الراء وبالحاء المهملة: الفهري القرشي أمين الأمة، أحد العشرة المبشرة، شهد المشاهد كلها، وثبت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلق المنفر بفيه، فوقعت ثنيتاه، مات سنة ثماني عشرة في طاعون عمواس، وقبره بغور نيسان عند قرية تسمى عمتا، وصلى عليه معاذ بن جبل
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»