لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه فقال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها مأخوذة من الحديث، وعبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي وسفيان هو ابن عيينة، وأبو موسى هو إسرائيل بن موسى البصري، نزل الهند، والحسن هو البصري والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل الحسن، رضي الله تعالى عنه عن صدقة بن الفضل وفي الفتن عن علي بن عبد الله وفي علامات النبوة عن عبد الله بن محمد، وأخرجه أبو داود في السنة عن مسدد ومسلم بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار. وأخرجه النسائي فيه عن أبي قدامة السرخسي وفي الصلاة عن محمد بن منصور وفي اليوم والليلة عن قتيبة بن سعيد وعن محمد بن عبد الأعلى وعن أحمد بن سليمان مرسل.
ذكر معناه: قوله: (الحسن بن علي) فاعل قوله: استقبل، ولفظة: والله، معترضة بينهما، ومعاوية، بالنصب مفعوله. قوله: (بكتائب) جمع كتيبة، وهي: الجيش، ويقال: الكتبية ما جمع بعضها إلى بعض، ومنه قيل للقطعة المجتمعة من الجيش: كتيبة، قال الداودي: سميت بذلك لأنه كتب اسم كل طائفة من كتاب فلزمها هذا الاسم. قوله: (أمثال الجبال) أي: لا يرى لها طرف لكثرتها، كما لا يرى من قابل الجبل طرفيه، وكانت ملاقاة الحسن مع معاوية بمنزلة من أرض الكوفة، وكان الحسن لما مات علي رضي الله تعالى عنه، بايعه أهل الكوفة، وبايع أهل الشام معاوية، فالتقيا في الموضع المذكور، وبعد كلام طويل ومحاورات جرت بينهما سلم الحسن الأمر إلى معاوية وصالحه وبايعه على الأمر والطاعة على إقامة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم رحل الحسن إلى الكوفة فأخذ معاوية البيعة لنفسه على أهل العراقين، فكانت تلك السنة سنة الجماعة لاجتماع الناس واتفاقهم، وانقطاع الحرب، وبايع معاوية كل من كان معتزلا عنه، وبايعه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة، وتباشر الناس بذلك، وأجاز معاوية الحسن بن علي بثلاثمائة ألف وألف ثوب وثلاثين عبدا، ومائة جمل، ثم انصرف الحسن إلى المدينة وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شعبة، وولى البصرة عبد الله بن عامر، وانصرف إلى دمشق واتخذها دار مملكته. قوله: (فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي)، أراد عمرو بهذا الكلام تحريض معاوية على القتال مع الحسن، رضي الله تعالى عنه، و: لا تولي، من التولية، وهي الإدبار أي: إن تولت بغير حملة غلبت لكثرتها. قوله: (أقرانها)، بفتح الهمزة جمع: قرن، بكسر القاف وهو الكفؤ والنظير في الشجاعة والحرب. قوله: (فقال له معاوية) أي: قال لعمرو بن العاص معاوية جوابا عن قوله: (إني لأرى كتائب...) إلى آخره. قوله: (أي عمرو!) مقول قول معاوية، أي: يا عمرو (وإن قتل هؤلاء هؤلاء...) إلى آخره. قوله: (وكان والله خير الرجلين)، من كلام الحسن البصري، وقع معترضا بين قوله: (قال له معاوية)، وبين قوله: (أي عمرو). وقوله: (والله أيضا) معترض بين: كان وخبره، وأراد بالرجلين: معاوية وعمرا، وأراد بخيرهما معاوية، وإنما قال ذلك لأنه كان يعلم أن خلاف عمرو على الحسن بن علي كان أشد من خلاف معاوية إياه، لأنه كان يحرض معاوية على القتال معه ومعاوية كان يتوقع الصلح ويريد أن يرد الحسن بدون القتال، وأنه يبايعه ويأخذ منه ما يريده، ويذهب إلى المدينة وهكذا وقع في آخر الأمر. وإثبات الحسن البصري الخيرية، لمعاوية بالنسبة إلى عمرو لا بالنسبة إلى غيره، لأنه لم يشك هو ولا غيره أن الحسن بن علي كان خير الناس كلهم في ذلك الزمان. قوله: (إن قتل هؤلاء هؤلاء)، أي: إن قتل عسكر الحسن عسكرنا أو عسكرنا عسكره، فهؤلاء الأول في محل الرفع على الفاعلية، والثاني النصب على المفعولية في الموضعين. قوله: (من لي؟) جواب الشرط، أعني. قوله: (إن قتل)، أي: من يتكفل لي بأمور الناس؟ يعني: على كلا التقديرين أنا المطالب عند الله، فإذا وقع الصلح فأكون أنا أول من يسلم في الدنيا والآخرة، وهذا يدل على نظر معاوية في العواقب ورغبته في دفع الحرب. قوله: (من لي بضيعتهم)، هكذا هو في كثير من النسخ، والضيعة، بفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة: والمراد به ههنا: العقار، ويروى: (بصبيتهم)، وعلى هذه الرواية فسرها الكرماني بقوله: (والصبية)، المراد بها الأطفال