عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٧٧
الحيوانات. وقال النووي في (شرح مسلم) بردها بدون الصاع، لأن الأصل أنه إذا أتلف شيئا لغيره رد مثله إن كان مثليا وإلا فقيمته، وأما جنس آخر من العروض فخلاف الأصول. قلت: هذا بعينه مذهب الحنفية. قوله: (ففي حلبتها صاع من تمر) ظاهره أن صاع التمر في مقابل المصراة، سواء كانت واحدة أو أكثر، لقوله: من اشترى غنما، لأنا قد ذكرنا أنه اسم جنس. ثم قال: (وفي حلبتها صاع من تمر) ونقل ابن عبد البر عمن استعمل الحديث، وابن بطال عن أكثر العلماء، وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية: يرد عن كل واحدة صاعا. وقال المازري: من المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة كما يغرم متلف لبن شاة واحدة، قلت: استغنت الحنفية عن مثل هذه التعسفات، ومذهبهم كما مر أن المصراة لا ترد، ولكنه يرجع بنقصان العيب، على أن فيه روايتين عن أبي حنيفة.
66 ((باب بيع العبد الزاني)) أي: هذا باب في جواز بيع العبد الزاني مع بيان عيبه.
وقال شريح إن شاء رد من الزنا شريح هو ابن الحارث الكندي القاضي، وقد مر غير مرة، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح من طريق ابن سيرين: أن رجلا اشترى من رجل جارية كانت فجرت ولم يعلم بذلك المشتري فخاصمه إلى شريح، فقال: إن شاء رد من الزنا. قلت: وعند الحنفية الزنا عيب في الأمة دون الغلام، لأنه يخل بالمقصود منها، وهو الاستفراش وطلب الولد، والمقصود من الغلام الاستخدام، وكذلك إذا كانت بنت الزنا فهو عيب، وعند محمد في (الأمالي) لو اشترى جارية بالغة وكانت قد زنت عند البائع فللمشتري أن يردها، وإن لم تزن عنده للحوق العار بالأولاد، ولكن المذهب أن العيوب كلها لا بد لها من المعاودة عند المشتري حتى يرد إلا الزنا في الجارية، كما ذكره محمد.
2512 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث قال حدثني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمعه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر..
مطابقته للترجمة في قوله: (فليبعها)، فإنه يدل على جواز بيع الزاني، وفيه الإشعار بأن الزنا عيب.
ورجاله قد ذكروا غير مرة واسم أبي سعيد: كيسان المديني مولى بني ليث، وكان سعيد يسكن المقبرة فنسب إليها.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله، وفي المحاربين عن عبد الله بن يوسف. وأخرجه مسلم في الحدود، وأخرجه النسائي عن عيسى بن حماد، وقال الدارقطني: رواه ابن جريج وإسماعيل ابن أمية وأسامة بن زيد وعبد الرحمن بن إسحاق وأيوب بن موسى ومحمد بن عجلان وابن أبي ذئب وعبيد الله بن عمر، فقالوا: عن سعيد عن أبي هريرة، لم يذكروا أبا سعيد، وفي مسلم كذلك.
ذكر معناه: قوله: (فتبين زناها)، أي: بالبينة أو بالحبل أو بالإقرار. قوله: (فليجلدها)، وفي رواية أيوب بن موسى: فليجلدها الحد، قال أبو عمر: لا نعلم أحدا ذكر فيه الحد غيره. قوله: (ولا يثرب) من التثريب، بالثاء المثلثة بعد التاء المثناة من فوق، وهو التعيير والاستقصاء في اللوم، أي: لا يزيد في الحد، ولا يؤذيها بالكلام، وقال الخطابي: معناه أن لا يقتصر على التثريب، بل يقام عليها الحد. قوله: (ولو بحبل) أي: ولو كان البيع بحبل من شعر، وهذا مبالغة في التحريض ببيعها، وذكر الحبل بمعنى التقليل والتزهيد عن الزانية.
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز بيع الزاني، وقال أهل الظاهر: البيع واجب. وفيه: أن الزنا عيب في الجارية، وقد ذكرنا أنه ليس بعيب في الغلام إلا إذا كان معتادا به. وفيه: أن الزانية تجلد، وممن كان يجلدها إذا زنت أو يأمر برجمها ابن مسعود وأبو برزة وفاطمة وابن عمر وزيد بن ثابت وإبراهيم النخعي وأشياخ الأنصار وعبد الرحمن بن أبي ليلى
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»