رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في آخر الشهر، فأخذ رجال من أصحابه يواصلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال رجال يواصلون؟ إنكم لستم مثلي. أما والله! لو تماد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم). وفي لفظ له: (إني لست مثلكم، إني أظل يطعمني ربي ويسقيني)، وفي لفظ: (إني لست كهيئتكم.
قوله: (إني: لست كأحد منكم). وفي رواية الكشميهني: (كأحدكم)، وفي حديث ابن عمر: (إني لست مثلكم)، وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عند مسلم: (لستم في ذلك مثلي) وفي حديث أبي هريرة سيأتي، (وأيكم مثلي). أي على صفتي أو منزلتي من ربي. قوله: (أو إني أبيت)، الشك من شعبة، وفي رواية أحمد عن بهز عنه: (إني أظل أو قال: أني أبيت) وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: (إن ربي يطعمني ويسقيني)، أخرجه الترمذي. قوله: (لا تواصلوا) نهي، وأدناه يقتضي الكراهة.
ولكن اختلفوا: هل هي رواية تنزيه أو تحريم؟ على وجهين حكاهما صاحب (المهذب) وغيره، أصحهما عندهم: أن الكراهة للتحريم. قال الرافعي: وهو ظاهر كلام الشافعي، وحكى صاحب (المفهم) عن قوم: أنه يحرم، قال: وهو مذهب أهل الظاهر. قال: وذهب الجمهور ومالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة من أهل الفقه إلى كراهته، وذهب آخرون إلى جواز الوصال لمن قوي عليه، وممن كان يواصل عبد الله بن الزبير وابن عامر وابن وضاح من المالكية، كان يواصل أربعة أيام، حكاه ابن حزم. وقد حكى القاضي عياض عن ابن وهب وإسحاق وابن حنبل أنهم أجازوا الوصال، والجمهور ذهبوا إلى أن الوصال من خواص النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: (إني لست كأحد منكم)، وهذا دال على التخصيص، وأما غيره من الأمة فحرام عليه. وفي (سنن أبي داود) (من حديث عائشة: كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال)، وممن قال به من الصحابة علي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبو سعيد وعائشة، رضي الله تعالى عنهم. واحتج من أباح الوصال بقول عائشة: (نهاهم عن الوصال رحمة لهم)، فقالوا: إنما نهاهم رفقا لا إلزاما لهم، واحتجوا أيضا بكون النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه يومين حين أبوا أن ينتهوا. قال صاحب (المفهم): وهو يدل على أن الوصال ليس بحرام ولا مكروه من حيث هو وصال، لكن من حيث يذهب بالقوة. وأجاب المحرمون عن الحديثين، بأن قالوا: لا يمنع قوله: (رحمة لهم) أن يكون منهيا عنه للتحريم، وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم، قالوا: وأما وصاله بهم فلتأكيد الزجر وبيان الحكمة في نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال، وهي الملل من العبادة وخوف التقصير في غيره من العبادات. وقال ابن العربي: وتمكينهم منه تنكيل لهم، وما كان على طريق العقوبة لا يكون من الشريعة. فإن قلت: كيف يحسن قولهم له بعد النهي عن الوصال: (فإنك تواصل؟) وهم أكثر الناس آدابا؟ قلت: لم يكن ذلك على سبيل الاعتراض، ولكن على سبيل استخراج الحكم أو الحكمة أو بيان التخصيص.
قوله: (إني أطعم وأسقى) اختلف في تأويله، فقيل: إنه على ظاهره وأنه يؤتى على الحقيقة بطعام وشراب يتناولهما فيكون ذلك تخصيص كرامة لا شركة فيها لأحد من أصحابه، ورد صاحب (المفهم) هذا وقال: لأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم: (إنك تواصل)؟ ولا ارتفع اسم الوصال عنه، لأنه حينئذ يكون مفطرا، وكان يخرج كلامه عن أن يكون جوابا لما سئل عنه، ولأن في بعض ألفاظه: (إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني)، وظل إنما يقال فيمن فعل الشيء نهارا، وبات فيمن يفعله ليلا، وحينئذ كان يلزم عليه فساد صومه، وذلك باطل بالإجماع، وقيل: إن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب، واعترض صاحب (المفهم) على هذا أيضا وقال: وهذا القول أيضا يبعده النظر إلى حاله، صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجارة من الجوع، وبعده أيضا النظر إلى المعنى، وذلك لأنه لو خلق فيه الشبع والري لما وجد لعبادة الصوم روحها الذي هو الجوع والمشقة، وحينئذ كان يكون ترك الوصال أولى. وقيل: إن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام وشراب، كما يحفظها بالطعام والشراب، فعبر بالطعام والسقيا عن فائدتهما، وهي: القوة، وعليه اقتصر ابن العربي، وحكى الرافعي عن المسعودي قال: أصح ما قيل في معناه أني أعطى قوة الطاعم والشارب.
2691 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال قالوا إنك تواصل قال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى. (انظر الحديث 2291).