وأخبره بذلك لم يأمره بالقضاء، وقال بعضهم: ذكر القسم لم يقع في حديث أبي جحيفة هنا، وأما القضاء فليس في شيء من طرقه إلا أن الأصل عدمه، وقد أقره الشارع، ولو كان القضاء واجبا لبينه مع حاجته إلى البيان. انتهى. قلت: في رواية البزار عن محمد ابن بشار شيخ البخاري في هذا الحديث، (فقال: أقسمت عليك لتفطرن)، وكذا في رواية ابن خزيمة، والدارقطني والطبراني وابن حبان، فكأن شيخ البخاري محمد بن بشار لما حدث بهذا الحديث لم يذكر له هذه الجملة، وبلغ البخاري ذلك من غيره فذكرها في الترجمة، وإن لم يقع في روايته، وقد ذكر البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب الأدب عن محمد بن بشار بهذا الإسناد ولم يذكر هذه الجملة أيضا.
وقيل: القسم مقدر قبل قوله: (ما أنا بآكل) كما في قوله تعالى: * (وإن منكم إلا واردها) * (مريم: 17). وأما قوله: وأما القضاء... إلى آخره، فالجواب عنه: أن القضاء ثبت في غيره من الأحاديث، ونذكرها الآن، وقوله: فليس في شيء من طرقه، لا يستلزم عدم ذكره القضاء في طرق هذا الحديث نفي وجوب القضاء في طرق غيره، وقوله: إلا أن الأصل عدمه أي: عدم القضاء، غير مسلم، بل الأصل وجوب القضاء، لأن الذي يشرع في عبادة يجب عليه أن يأتي بها وإلا يكون مبطلا لعمله، وقد قال تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (محمد: 33). فإن قلت: قال أبو عمر: أما من احتج في هذه المسألة بقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (محمد: 33). فجاهل بأقوال أهل العلم، وذلك أن العلماء فيها على قولين، فيقول أكثر أهل السنة: لا تبطلوها بالرياء أخلصوها لله تعالى، وقال آخرون: لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر. قلت: من أين لأبي عمر هذا الحصر.
وقد اختلفوا في معناه، فقيل: لا تبطلوا الطاعات بالكبائر، وقيل: لا تبطلوا أعمالكم بمعصية الله ومعصية رسوله، وعن ابن عباس: لا تبطلوها بالرياء والسمعة، عنه بالشك، والنفاق، وقيل: بالعجب، فإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وقيل: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى على أن قوله: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (محمد: 33). عام يتناول كل من يبطل عمله، سواء كان في صوم أو في صلاة ونحوهما من الأعمال المشروعة، فإذا نهى عن إبطاله يجب عليه قضاؤه ليخرج عن عهدة ما شرع فيه وأبطله.
وأما الأحاديث الموعود بذكرها. فمنها ما رواه الترمذي، قال: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا كثير بن هشام حدثنا جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة، (قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة وكانت ابنة أبيها فقالت: يا رسول الله إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه!! فقال: إقضيا يوما آخر مكانه). ورواه أبو داود والنسائي أيضا من رواية يزيد بن الهاد عن زميل مولى عروة عن عروة (عن عائشة، قالت: أهدي لي ولحفصة طعام وكنا صائمتين فأفطرنا، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا له: يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا! فقال: لا عليكما، صوما مكانه يوما آخر). وأخرجه النسائي من رواية جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، وأخرجه أيضا من رواية يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن عقبة. قال: وعندي في موضع آخر: أو إسماعيل بن إبراهيم عن الزهري عن عروة عن عائشة قال (يحيى بن أيوب وحدثني صالح بن كيسان عن الزهري مثله، قال النسائي: وجدته في موضع آخر عندي: حدثني صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد، مثله. فإن قلت: قال الترمذي: رواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا، وقال الترمذي أيضا في (العلل): سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: لا يصح حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا، قال: وجعفر بن برقان ثقة، وربما يخطئ في الشيء، وكذا قال محمد بن يحيى الذهلي: لا يصح عن عروة. وقال النسائي في (سننه) بعد أن رواه: هذا خطأ. وقال أبو عمر في (التمهيد) بعد ذكره لهذا الحديث: مدار حديث صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد على يحيى بن أيوب وهو صالح، وإسماعيل بن إبراهيم متروك الحديث، وجعفر بن برقان في الزهري ليس بشيء، وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر في حديثهما خطأ كثير، قال: وحفاظ بن شهاب يروونه مرسلا. قلت: وقد وصله آخرون فجعلوه عن الزهري عن عروة عن عائشة وهم جعفر بن برقان وسفيان بن حسين ومحمد بن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وصالح بن كيسان وحجاج بن أرطأة. وإذا دار الحديث بين الانقطاع والاتصال فطريق الاتصال أولى، وهو قول الأكثرين، وذلك لأن طريق الانقطاع ساكت عن