عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٨٣
ذلك زمن يحيى بن خالد بن برمك، أنهم كانوا مجوسا فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطعام. قال: ولما اجتمعت بالملك الكامل وذكرت له ذلك قطع دابر هذه البدعة المجوسية من سائر أعمال البلاد المصرية.
9691 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان.
مطابقته للترجمة في قوله: (وما رأيته أكثر صياما منه من شعبان) وأبو النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: اسمه سالم بن أبي أمية، قد مر في: باب المسح على الخفين.
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أبي مصعب الزهري عن مالك. وأخرجه النسائي في الصوم عن الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن مالك وعمرو بن الحارث.
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر)، يعني: ينتهي صومه إلى غاية نقول: إنه لا يفطر، فينتهي إفطاره إلى غاية حتى نقول: إنه لا يصوم، وذلك لأن الأعمال التي يتطوع بها ليست منوطة بأوقات معلومة، وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها. قوله: (فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان)، وهذا يدل على أنه، صلى الله عليه وسلم، لم يصم شهرا تاما غير رمضان. فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي سلمة (عن أم سلمة: لم يكن يصوم في السنة شهرا كاملا إلا شعبان يصله برمضان). وهذا يعارض حديث عائشة، وكذلك روى الترمذي من حديث سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة (عن أم سلمة، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان). وهذا أيضا يعارضه. قلت: قال الترمذي: روي عن ابن المبارك أنه قال في هذا الحديث، قال: هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليله أجمع، ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره، ثم قال الترمذي: كان ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين، يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر. وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله تعالى: هذا فيه ما فيه، لأنه قال فيه إلا شعبان ورمضان، فعطف رمضان عليه يبعد أن يكون المراد بشعبان أكثره، إذ لا جائز أن يكون المراد برمضان بعضه، والعطف يقتضي المشاركة فيما عطف عليه، وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول: إن اللفظ الواحد يحمل على حقيقته ومجازه، وفيه خلاف لأهل الأصول. انتهى. قلت: لا يمشي هنا ما قاله على رأي البعض أيضا، لأن من قال ذلك قال في اللفظ الواحد، وهنا لفظان: شعبان ورمضان، وقال ابن التين: إما أن يكون في أحدهما وهم، أو يكون فعل هذا وهذا، أو أطلق الكل على الأكثر مجازا. وقيل: كان يصومه كله في سنة وبعضه في سنة أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة منهما، لا يخلي منه شيئا بلا صيام.
فإن قلت: ما وجه تخصيصه شعبان بكثرة الصوم؟ قلت: لكون أعمال العبادة ترفع فيه. ففي النسائي من حديث أسامة (قلت: يا رسول الله! أراك لا تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم). وروي عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أنها (قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي أراك تكثر صيامك فيه؟ قال: يا عائشة! إنه شهر ينسخ فيه ملك الموت من يقبض، وأنا أحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم). قال المحب الطبري: غريب من حديث هشام بن عروة بهذا اللفظ، رواه ابن أبي الفوارس في أصول أبي الحسن الحمامي عن شيوخه، وعن حاتم بن إسماعيل عن نصر بن كثير عن يحيى بن سعيد عن عروة (عن عائشة، قالت: لما كانت ليلة النصف من شعبان انسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرطي...) الحديث. وفي آخره: (هل تدري ما في هذه الليلة؟ قالت: ما فيها يا رسول الله؟ قال: فيها أن يكتب كل مولود من بني آدم في هذه السنة. وفيها أن يكتب كل هالك من بني آدم في هذه السنة، وفيها ترفع
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»