تسميته: بأبي الشحمة، كما ذكرنا عن (مسند) الإمام الشافعي. قوله: (ورهنه درعا من حديد)، الدرع، بكسر الدال المهملة: هو درع الحرب، ولهذا قيده بالحديد، لأن القميص يسمى درعا. وقال ابن فارس: درع الحديد مؤنثة، ودرع المرأة قميصها مذكر.
فإن قلت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم دروع، فأي درع هذه؟ قلت: قال أبو عبد الله محمد بن أبي بكر التلمساني في كتاب (الجوهر): إن هذه الدرع هي ذات الفضول. فإن قلت: ما معنى اختياره لرهن الدرع؟ قلت: رهن ما هو أشد حاجة إليه، لأنه ما وجد شيئا يرهنه غيره. فإن قلت: ما كانت ضرورته إلى السلف حتى رهن عند اليهودي درعه؟ قلت: قد مر أنه أخذه لأهله ورزقا لعياله، ويحتمل أنه فعل بيانا للجواز فإن قلت: قد ورد في الصحيح أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يدخر لأهله قوت سنة، فكيف استلف مد اليهودي؟ قلت: قد يكون ذلك بعد فراغ قوت السنة، وقد يكون كان يدخر قوت السنة لأهله على تقدير أن لا يرد عليه عارض، وقيل: إنما أخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، الشعير من اليهودي لضيف طرقه، ثم فداه أبو بكر، رضي الله تعالى عنه. فإن قلت: لم لم يرهن عند مياسير الصحابة؟ قلت: حتى لا يبقى لأحد عليه منة لو أبرأه منه. فإن قلت: المعاملة مع من يظن أن أكثر ماله حرام ممنوعة، فكيف عامل النبي، صلى الله عليه وسلم، مع هذا اليهودي؟ وقد أخبر الله تعالى: أنهم أكالون للسحت؟ قلت: هذا عند التيقن أن المأخوذ منه حرام بعينه، ولم يكن ذلك على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، خفيا. ومع هذا إن اليهود كانوا باعة في المدينة حينئذ، وكانت الأشياء عندهم ممكنة، وكان وقتا ضيقا وربما لم يوجد عند غيرهم.
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز البيع إلى أجل، ثم هل هو رخصة أو عزيمة؟ قال ابن العربي: جعلوا الشراء إلى أجل رخصة، وهو في الظاهر عزيمة، لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * (البقرة: 282). فأنزله أصلا في الدين ورتب عليه كثيرا من الأحكام. وفيه: جواز معاملة اليهود وإن كانوا يأكلون أموال الربا، كما أخبر الله عنهم، ولكن مبايعتهم وأكل طعامهم مأذون لنا فيه بإباحة الله، وقد ساقاهم النبي، صلى الله عليه وسلم، على خيبر. فإن قلت: النصارى كذلك أم لا؟ قلت: روى أبو الحسن الطوسي في (أحكامه)، فقال: حدثنا علي بن مسلم الطوسي ببغداد حدثنا محمد ابن يزيد الواسطي عن أبي سلمة عن جابر بن يزيد عن الربيع بن أنس (عن أنس بن مالك، قال: بعثني النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى حليق النصراني يبعث إليه بأثواب إلى الميسرة، قال: فأتيته فقلت: بعثني إليك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تبعث إليه بأثواب إلى الميسرة. فقال: وما الميسرة؟ ومتى الميسرة؟ ما لمحمد ثاغية ولا راغية. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فلما رآني قال: كذب عدو الله، أنا خير من بايع، لأن يلبس أحدكم ثوبا من رقاع شتى خير له من أن يأخذ في أمانته ما ليس عنده). وفيه: رهن في الحضر، ومنعه مجاهد في الحضر، وقال: إنما ذكر الله الرهن في السفر، وتبعه داود، وفعل النبي، صلى الله عليه وسلم، كان بالمدينة، والله تعالى ذكر وجها من وجوهه وهو: السفر. وفيه: جواز رهن السلاح وآلة الحرب في بلد الجهاد عند الحاجة إلى الطعام، لأنه تعارض حينئذ أمران فقدم الأهم منهما، لأن نفقة الأهل واجبة لا بد منها، واتخاذ آلة الحرب من المصالح لا من الواجبات، لأنه يمكن الجهاد بدون آلة، فقدم الأهم.
9602 حدثنا مسلم قال حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن أنس ح وحدثني محمد بن عبد الله بن حوشب قال حدثنا أسباط أبو اليسع البصري قال حدينا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صلى الله عليه وسلم صاع بر ولا صاع حب وإن عنده لتسع نسوة. (الحديث 9602 طرفه في: 8052).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله وهم ستة. وأخرجه من طريقين، ومسلم على لفظ اسم الفاعل من الإسلام، ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي القصاب، وهشام هو الدستوائي. ومحمد بن عبد الله بن حوشب، بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين