الزراعة والتجارة والصناعة، وأيها أطيب؟ فيه ثلاثة مذاهب للناس، وأشبهها مذهب الشافعي أن التجارة أطيب، والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل. وقال النووي: وحديث البخاري صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما عمل يده. لكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدمي وغيره. وعموم الحاجة إليها. وفيه: فضيلة أبي بكر وزهده وورعه غاية الورع. وفيه: أن للعامل أن يأخذ من عرض المال الذي يعمل فيه قدر عمالته إذا لم يكن فوقه إمام يقطع له أجرة معلومة، وكل من يتولى عملا من أعمال المسلمين يعطي له شيء من بيت المال لأنه يحتاج إلى كفايته وكفاية عياله، لأنه إن لم يعط له شيء لا يرضى أن يعمل شيئا فتضيع أحوال المسلمين. وعن ذلك قال أصحابنا: ولا بأس برزق القاضي، وكان شريح، رضي الله تعالى عنه، يأخذ على القضاء. ذكره البخاري في: باب رزق الحكام والعاملين عليها، ثم القاضي إن كان فقيرا فالأفضل بل الواجب أخذ كفايته من بيت المال، وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع، رفقا ببيت المال. وقيل: الأخذ هو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان، لأنه إذا لم يأخذ لم يلتفت إلى أمور القضاء كما ينبغي لاعتماده على غناه، فإذا أخذ يلزمه حينئذ إقامة أمور القضاء.
1702 حدثني محمد قال حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا سعيد قال حدثني أبو الأسود عن عروة قال قالت عائشة رضي الله تعالى عنها كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم وكان يكون لهم أرواح فقيل لهم لو اغتسلتم. (انظر الحديث 309).
مطابقته للترجمة في قوله: (كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمال أنفسهم) أي: كانوا يكتسبون بأيديهم أو بالتجارة أو بالزراعة، وأصل هذا الحديث قد مر في كتاب الجمعة في: باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، فلينظر فيه. وأعلم أن في جميع الروايات: كذا حدثني أو حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن يزيد، إلا في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري عن البخاري: حدثنا عبد الله بن يزيد، فعلى هذا قوله: حدثنا محمد هو البخاري، وعبد الله بن يزيد هو المقرئ، وهو أحد مشايخ البخاري. وقد روى عنه كثيرا. وقد روى عنه كثيرا، وربما روى عنه بواسطة. وقال الكرماني: قوله: محمد، قال الغساني: لعله محمد بن يحيى الذهلي. قلت: وكذا قال الحاكم وجزم به، فعلى هذا روى البخاري عنه عن عبد الله بن يزيد الذي هو شيخه بواسطة محمد الذهلي، وسعيد هو ابن أبي أيوب المصري، وقد مر في التهجد، وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة بن الزبير، وقد مر في الغسل.
قوله: (عمال أنفسهم)، بضم العين وتشديد الميم: جمع عامل. قوله: (وكان يكون لهم أرواح) وجه هذا التركيب أن في: كان، ضمير الشان، والمراد، ماض، وذكر: يكون، بلفظ المضارع استحضارا وإرادة الاستمرار، والأرواح جمع ريح، وأصله: روح، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وأراح اللحم أي: أنتن، وكانوا يعملون فيعرقون ويحضرون الجمعة، تفوح تلك الروايح عنهم (فقيل لهم: لو اغتسلتم) وجواب: لو، محذوف يعني: لو اغتسلتم لذهبت عنكم تلك الروائح الكريهة.
وفيه: ما كان عليه الصحابة من اختيارهم الكسب بأيديهم، وما كانوا عليه من التواضع.
رواه همام عن هشام عن أبيه عن عائشة أي: روى الحديث المذكور همام بن يحيى بن دينار الشيباني البصري عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير، وفي بعض النسخ: وقال همام، وهذا تعليق وصله أبو نعيم في (المستخرج) من طريق هدبة عنه بلفظ: (كان القوم خدام أنفسهم، فكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا أن يغتسلوا). وبهذا اللفظ رواه قريش بن أنس عن هشام عند ابن خزيمة والبزار.
2702 حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا عيسى بن يونس عن ثور عن خالد بن معدان عن المقدام رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي ا