عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١٠٨
الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه..
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي في الترجمة، ويكون التقدير: باب صوم يوم عرفة غير مستحب، بل ذهب قوم إلى وجوب الفطر يوم عرفة على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر رجاله وهم سبعة، لأنه روي من طريقين: الأول: مسدد. الثاني: يحيى القطان. الثالث: مالك بن أنس. الرابع: سالم هو أبو النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي. الخامس: عمير مصغر عمر تارة يقال له: إنه مولى أم الفضل أم ابن عباس واسمها لبابة، بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء موحدة أخرى، وتارة يقال: إنه مولى عبد الله بن عباس، والظاهر أنه لأم الفضل حقيقة، وينسب إلى أبيها لملازمته له وأخذه عنه، مر في التيمم في الحضر. السادس: أم الفضل المذكورة بنت الحارث بن حزن الهلالية، زوج العباس بن عبد المطلب، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم. السابع: عبد الله بن يوسف التنيسي.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد كذلك. وفيه: الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: القول في موضع. وفيه: قال مالك: حدثني سالم ذكره في هذا الطريق باسمه، وفي الثانية بكنيته، وهو بكنيته أشهر، وربما جاء باسمه وكنيته، فيقال: حدثنا سالم أبو النضر. وفيه: أنه ساق الطريق الأول مع نزولها، لما فيه من التصريح بالتحديث في المواضع التي وقعت بالعنعنة في الطريق الثاني مع علوه، وفيه: أن عميرا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه في الحج أيضا في موضعين، وفي الأشربة في ثلاثة مواضع، وحديث آخر تقدم في التيمم.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الحج عن القعنبي وعن علي بن عبد الله أيضا، وفي الأشربة عن الحميدي وعن مالك بن إسماعيل وعن عمرو بن العباس. وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى عن مالك به، وعن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمرو عن زهير بن حرب وعن هارون بن سعيد الأيلي ، وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي به، وقد مضى هذا الحديث مختصرا في كتاب الحج في موضعين: أحدهما: باب صوم يوم عرفة، والآخر: باب الوقوف على الدابة بعرفة.
ذكر معناه: قوله: (إن ناسا تماروا)، أي: اختلفوا وجادلوا، ووقع عند الدارقطني في (الموطآت) من طريق أبي روح عن مالك: (اختلف ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). قوله: (فأرسلت)، بلفظ المتكلم والغيبة، وفي الحديث الذي يأتي عقيبه أن ميمونة بنت الحارث هي التي أرسلت، فيحتمل التعدد ويحتمل أنهما أرسلتا معا، فنسب ذلك إلى كل منهما لأنهما أختان، كما ذكرنا، وتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها بذلك بكشف الحال في ذلك، ويحتمل العكس. قوله: (وهو واقف على بعيره)، جملة اسمية وقعت حالا. وزاد أبو نعيم في (المستخرج) من طريق يحيى بن سعيد عن مالك: (وهو يخطب الناس بعرفة)، وللبخاري في الأشربة من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي النضر، وهو واقف عشية عرفة، ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن عباس عن أمه أم الفضل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة. قوله: (فشربه)، زاد في حديث ميمونة: (والناس ينظرون).
وفي هذا الحديث: استحباب الفطر للواقف بعرفة والوقوف راكبا، وجواز الشرب قائما، وإباحة الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبول هدية المرأة المتزوجة الموثوق بدينها. وجواز تصرف المرأة في مالها، خرج من الثلث أم لا، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها أو مال زوجها؟ وقد بسطنا الكلام فيه في: باب صوم يوم عرفة في كتاب الحج.
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»