عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١٠٢
ابن حبيب: السرر آخر الشهر حين يستسر الهلال لثمان وعشرين ولتسع وعشرين، وإن كان تاما فليلة ثلاثين، وتبويب البخاري يدل على أنه عنده آخر الشهر، وقال الخطابي: يتأول أمره إياه بصوم السرر على أن الرجل كان أوجبه على نفسه نذرا فأمره بالوفاء أو أنه كان اعتاده، فأمره بالمحافظة عليه، وإنما تأولناه للنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.
فائدة: أسماء ليالي الشهر عشرة، لكل ثلاث منها اسم. فالثلاث الأولى: غرر، لأن غرة كل شيء أوله. والثانية: نفل على وزن صرد ونغر لزيادتها على الغرر، والنفل الزيادة. وثلاث تسع إذ آخرها تاسع. وثلاث عشر لأن أولها عاشر، وزنهما وزن زحل. وثلاث تبع. وثلاث درع ووزنهما كزحل أيضا لاسوداد أوائلها وابيضاض أواخرها. وثلاث ظلم لإظلامها. وثلاث حنادس لشدة سوادها. ثلاث دآدىء كسلالم لأنها بقايا. وثلاث محاق بضم الميم، لانمحاق القمر أول الشهر والمحق المحو، ويقال لهما سرر أيضا عند الجمهور، كما ذكرنا.
قوله: (أظنه)، يعني: هذه اللفظة غير محفوظة، وهذا الظن من أبي النعمان لتصريح البخاري في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية الصلت، وكان ذلك وقع من أبي النعمان لما حدث به البخاري وإلا فقد رواه الجوزقي من طريق أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك، وهو الصواب، ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال: شعبان أصح، وقيل: إن ذلك ثابت في بعض الروايات في (الصحيح) وقال الخطابي: ذكر رمضان هنا وهم لأن رمضان يتعين صوم جميعه، وكذا قال الداودي وابن الجوزي. فإن قلت: روى مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شعبة قال: حدثنا يزيد بن هارون عن الجريري عن العلاء عن مطرف (عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه). قلت: روى مسلم أيضا من حديث هداب بن خالد (عن عمران بن حصين أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال له أو لآخر: أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا. قال: فإذا أفطرت فصم يومين). فهذا يدل على أن المراد من قوله في رواية البخاري: (أما صمت سرر هذا الشهر إنه شعبان؟) وقول أبي النعمان: أظنه يعني رمضان، وهم كما ذكرنا، وقيل: يحتمل أن يكون قوله: (رمضان) في قوله (رمضان) ظرفا للقول الصادر منه، صلى الله عليه وسلم، لا لصيام المخاطب بذلك، فيوافق رواية الجريري عن العلاء عن مطرف، وقد ذكرناه الآن. قلت: التحقيق فيه أن المراد من قوله، صلى الله عليه وسلم: (أصمت سرر هذا الشهر؟) في رواية البخاري أنه شعبان، يؤيده ويوضحه رواية مسلم من حديث هداب عن عمران، وكذلك يوضح حديث هداب رواية مسلم من حديث مطرف، فإنه ليس فيها ذكر شعبان، والأحاديث يفسر بعضها بعضا، وبقي الكلام في قوله: (فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين)، فنقول: هذا ابتداء كلام، معناه: أنك إذا تركت السرر من رمضان الذي هو فرض، فصم يومين عوضه لأن السرر يومان من آخر الشهر، كما ذكرناه، بخلاف سرر شعبان، فإنه ليس بمتعين عليه، فلذلك لم يأمره بالقضاء بعد قول الرجل: يا رسول الله! يعني: ما صمت سرر هذا الشهر الذي هو شعبان. فإن قلت: كيف قال: (فصم يومين)، وفي رواية مسلم بعد قوله: (فإذا فطرت رمضان؟) والذي يفطر رمضان هل يكتفي في قضائه بيومين؟ قلت: تقديره من رمضان، وحذفت لفظة: من، وهي مرادة كما في الرواية الأخرى، وهو من قبيل قوله تعالى: * (واختار موسى قومه) * (الأعراف: 551). أي: من قومه، وهذا هو تحرير هذا الموضع الذي لم أر أحدا من شراح البخاري ومن شراح مسلم حرر هذا الموضع كما ينبغي، ولا سيما من يدعي في هذا الفن بدعاوى عريضة بمقدمات ليس لها نتيجة.
قال أبو عبد الله وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم من سرر شعبان أبو عبد الله هو البخاري، وليس في بعض النسخ هذا، وأراد بالتعليق أن المراد من قوله: (أصمت سرر هذا الشهر) هو سرر شعبان وليس هو برمضان. كما ظنه أبو النعمان، وقد وصل هذا التعليق مسلم: حدثنا هداب بن خالد قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، ولم أفهم مطرفا من هداب (عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أو لآخر...) الحديث، وقد ذكرناه عن قريب، والله أعلم.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»