وجبت جنوبها) * (الحج). ثم المذكور بعد * (جنوبها) * إلى قوله: * (وبشر المحسنين) * (الحج: 63). وموضع الاستدلال في جواز ركوب البدن في قوله: * (لكم فيها خير) * (الحج: 63). يعني: من الركوب والحلب لما روى ابن أبي حاتم وغيره بإسناد جيد عن إبراهيم النخعي: * (لكم فيها خير) * (الحج: 63). من شاء ركب ومن شاء حلب، وفي (تفسير النسفي) في قوله: * (لكم فيها خير) * (الحج: 63). من احتاج إلى ظهرها ركب، ومن احتاج إلى لبنها شرب. وقيل: في البدن خير وهو النفع في الدنيا والأجر في الآخرة، ومن شأن الحاج أن يحرص على شيء فيه خير ومنافع، وعن بعض السلف: أنه لم يملك إلا تسعة دنانير، فاشترى بها بدنة، فقيل له في ذلك، فقال: سمعت ربي يقول: * (لكم فيها خير) * (الحج: 63). قوله: (والبدن) بضم الباء جمع بدنة، سميت بذلك لعظم بدنها، وهي الإبل العظام الضخام الأجسام، وهي من الإبل خاصة وقرئ * (والبدن) * بضمتين كتمر في جمع: تمرة، وعن ابن أبي إسحاق، بضمتين وتشديد النون على لفظ الوقف، وقرئ: البدن، بالرفع والنصب كما في قوله: * (والقمر قدرناه) * (يس: 93). قوله: * (من شعائر الله) * (الحج: 63). أي: من أعلام الشريعة التي شرعها وأضافها إلى اسمه تعظيما لها. قوله: * (لكم فيها) * أي: في البدن. قوله: * (فاذكروا اسم الله عليها) * عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: ذكر اسم الله عليها أن يقول عند النحر: بسم الله، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك. قوله: (صواف) أي: قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن. وقيل: أي قياما على ثلاثة قوائم قد صفت رجليها وإحدي يديها ويدها اليسرى معقولة، وقرئ: صوافن، من: صفون الفرس وهو: أن تقوم على ثلاث وتنصب الرابعة على طرف سنبكه، لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث، وقرئ: صوافي، أي خوالص لوجه الله تعالى. وعن عمرو بن عبيد: صوافا، بالتنوين عوضا عن حرف الإطلاق عند الوقف. وعن بعضهم: صواف، نحو مثل قول العرب: أعط القوس باريها، بسكون الياء. قوله: * (فإذا وجبت) * قال الزمخشري: وجوب الجنوب وقوعها على الأرض، من: وجب الحائط وجبة إذا سقط، ووجبت الشمس وجبة غربت، والمعنى: فإذا وجبت جنوبها وسكنت نسائسها حل لكم الأكل منها والإطعام، وسيأتي تفسير القانع والمعتر. قوله: * (كذلك سخرناها لكم) * هذا من من الله تعالى على عباده بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا أن يأخذونها منقادة للأخذ، فيعقلونها طائعه ويحبسونها صافة قوائمها، ثم يطعنون في لباتها، ولولا تسخير الله تعالى لم تطق. قوله: * (لن ينال الله لحومها) * وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطخوا حيطان الكعبة بدمائها، فهم المسلمون مثل ذلك، فأنزل الله تعالى: * (لن ينال الله لحومها) * أي: لن يصل إلى الله تعالى لحومها المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر، * (ولكن يناله التقوى منكم) * والمعنى: لن يرضي المضحون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص والاحتفاظ بشروط التقوى. قوله: * (كذلك سخرها لكم) * أي: سخر البدن، وكرر تذكير النعمة بالتسخير، ثم قال: * (لتكبروا الله على ما هداكم) * يعني: على هدايته إياكم لإعلام دينه ومناسك حجه بأن تكبروا وتهللوا، وضمن التكبير معنى الشكر، وعدى تعديته. قوله: * (وبشر المحسنين) * الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يبشر المحسنين الذين يعبدون الله تعالى كأنهم يرونه، فإن لم يروه فإنه يراهم بقبوله، وقيل: بالجنة.
قال مجاهد: سميت البدن لبدنها بضم الباء وسكون الدال في رواية بعضهم، وفي رواية الأكثرين: بفتح الباء وفتح الدال، وفي رواية الكشميهني: لبدانتها أي: لضخامتها. وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: إنما سميت البدن من قبل السمانة. وقال الجوهري: البدنة ناقة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها، والبدن التسمين والاكتناز، وبدن إذا ضخم وبدن بالتشديد إذا أسن، وقد ذكرنا عن قريب أن البدن من الإبل خاصة، وقال الداودي قيل: إن البدنة تكون من البقر، وهذا نقل عن الخليل.
والقانع السائل، والمعتر يعتر بالبدن من غني أو فقير هذا من كلام البخاري، وكذا قال ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري، القانع: السائل والمعترض الذي يتعرض ولا يسأل. وقال مالك: أحسن ما سمعت فيه أن القانع الفقير والمعتر الدائر، وقيل: القانع السائل الذي لا يقنع بالقليل. وفي (الموعب)