عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٣٠٢
(فجاء ابن عمر) القائل هو سالم والواو في: وأنا، للحال. قوله: (معه) أي: مع ابن عمر، ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: (فركب هو وسالم وأنا معهما)، وفي رواية عبد الرزاق أيضا عن معمر، قال ابن شهاب: (وكنت يومئذ صائما فلقيت من الحر شدة). واختلف الحفاظ في رواية معمر هذه، فقال يحيى بن معين: هي وهم وابن شهاب لم ير ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، ولا سمع منه. وقال الذهلي: لست أدفع رواية معمر لأن ابن وهب روى عن العمري عن ابن شهاب، رحمه الله تعالى، نحو رواية معمر، وروى عنبسة بن خالد عن يونس عن ابن شهاب، رضي الله تعالى عنه.. قال: وفدت إلى مروان وأنا محتلم، قال الذهلي: ومروان مات سنة خمس وستين، وهذه القصة كانت سنة ثلاث وسبعين. انتهى. وقال غيره: إن رواية عنبسة هذه أيضا وهم، وإنما قال الزهري: وفدت على عبد الملك، ولو كان الزهري وفد على مروان لأدرك جلة الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، ممن ليست له عنهم رواية إلا بواسطة، وقد أدخل مالك وعقيل، وإليهما المرجع في حديث الزهري، بينه وبين ابن عمر في هذه القصة سالما، فهذا هو المعتمد. قوله: (عند سرادق الحجاج)، السرادق، بضم السين. قال الكرماني: وتبعه غيره أنه هو الخيمة وليس كذلك، وإنما السرادق هو الذي يحيط بالخيمة وله باب يدخل منه إلى الخيمة ولا يعمل هذا غالبا إلا للسلاطين والملوك الكبار، وبالفارسية يسمى: سرابردة. قوله: (ملحفة)، بكسر الميم: الإزار الكبير. قوله: (معصفرة) أي: مصبوغة بالعصفر. قوله: (يا أبا عبد الرحمن) هو كنية عبد الله بن عمر. قوله: (الرواح)، بالنصب أي: رح الرواح أو عجل، قاله الكرماني، والأصوب أن يقال: إنه منصوب على الإغراء أي: ألزم الرواح، والإغراء تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله. قوله: (إن كنت تريد السنة) وفي رواية ابن وهب: (إن كنت تريد أن تصيب السنة). وقال أبو عمر في (التقصي): هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لقوله: (إن كنت تريد السنة)، فالمراد سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها، كقولهم: سنة العمرين، وما أشبه ذلك. انتهى. وهذه مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول، والجمهور على ما قال ابن عبد البر، وهي طريقة البخاري ومسلم، ويقويه قول سالم لابن شهاب، إذ قال له: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وهل تتبعون في ذلك إلا سنته؟ قوله: (فأنظرني) بفتح الهمزة وكسر الظاء المعجمة من الأنظار وهو الإمهال معناه أمهلني وفي رواية الكشميهني (وانظرني) بهمزة الوصل وضم الظاء ومعناه: انتظرني. قوله: (حتى أفيض على رأسي) حتى اغتسل لأن إفاضة الماء على الرأس إنما تكون غالبا في الغسل. قوله: (ثم أخرج)، بالنصب عطف على قوله: (حتى أفيض)، وأصله: حتى أن أفيض، وقال ابن التين: صوابه أفض لأنه جواب الأمر. قوله: (فنزل) أي: ابن عمر، كما صرح به في رواية أخرى على ما يأتي بعد بابين، إن شاء الله تعالى، وهذا يدل على أنه كان راكبا. قوله: (فسار بيني وبين أبي) أي: سار الحجاج بين سالم وأبيه عبد الله بن عمر، ويحتمل أن يكونوا ركبانا، لأن السنة الركوب حينئذ لمن له راحلة. قوله: (وعجل الوقوف)، قال أبو عمر: رواية يحيى وابن القاسم وابن وهب ومطرف: وعجل الصلاة، وقال القعنبي وأشهب: فأتم الخطبة وعجل الوقوف، جعلا موضع الصلاة الوقوف. قال أبو عمر: وهو عندي غلط، لأن أكثر الرواة عن مالك على خلافه. قيل: رواية القعنبي لها وجه، لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة، ومع هذا وافق القعنبي عبد الله بن يوسف كما ترى، وقال بعضهم: الظاهر أن الاختلاف فيه عن مالك. قلت: هذا ليس بظاهر، وما الدليل عليه؟
ذكر ما يستفاد منه فيه: أن تعجيل الصلاة يوم عرفة سنة مجمع عليها في أول وقت الظهر، ثم يصلى العصر بإثر السلام والفراغ. وفيه: أن إقامة الحج إلى الخلفاء ومن جعلوا ذلك إليه، وهو واجب عليهم يقيموا من كان عالما به. وفيه: الصلاة خلف الفاجر من الولاة ما لم تخرجه بدعته عن الإسلام. وفيه: أن الرجل الفاضل لا يؤاخذ عليه في مشيه إلى السلطان الجائر فيما يحتاج إليه. وفيه: أن تعجيل الرواح للإمام للجمع بين الظهر والعصر بعرفة في أول وقت الظهر سنة. وفيه: الغسل للوقوف بعرفة. وفيه: خروج الحجاج وهو محرم وعليه ملحفة معصفرة ولم ينكر ذلك عليه ابن عمر. وفيه: حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم. وفيه: جواز تأمير الأدنى على الأفضل والأعلم. وفيه: ابتداء العالم بالفتيا قبل أن يسأل عنه. وفيه: الفهم بالإشارة والنظر. وفيه: أن اتباع الشارع هو السنة وإن كان في المسألة أوجه جائز غيرها. وفيه: فتوى التلميذ بحضرة أستاذه عند السلطان وغيره. وفيه: جواز الذهاب من العالم إلى السلطان، سواء كان جائرا أو غير جائر، لأجل إرشاده إياه إلى الخير
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 » »»