عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٧٥
إحداهما: أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، وهل هو واجب أو سنة؟ قال أبو حنيفة: سنة. والآخرون: واجب. والثانية: يجوز لأهل السقاية أن يتركوا هذا المبيت ويذهبوا إلى مكة ليستقوا بالليل الماء من زمزم، ويجعلوه في الحياض مسبلا للحاج، ولا يختص ذلك عند الشافعي بالعباس، بل كل من تولى السقاية كان له ذلك، وقال بعض أصحابنا: تختص الرخصة بالعباس، وقال بعضهم: بآل العباس. انتهى. قلت: قال بعضهم: تختص ببني هاشم من آل عباس وغيرهم، وقال أصحابنا: يكره أن لا يبيت بمنى ليالي الرمل لأنه صلى الله عليه وسلم بات بها، وكذا عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وكان يؤدب على تركه، فلو بات في غيره متعمدا لا يلزمه شيء. وقال بعضهم: المبيت في هذه الليالي سنة عندنا، وبه قال أهل الظاهر. قال القرطبي: روي نحوه عن ابن عباس والحسن، وقال ابن بطال: رواه ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس.
وقال القرطبي: المبيت بمنى ليالي التشريق من سنن الحج بلا خلاف، إلا لذوي السقاية أو الرعاة، ومن تعجل بالنفر في ترك ذلك في ليلة واحدة أو جميع الليالي كان عليه دم عند مالك، وقال السفاقسي: المبيت بها مأمور به، وإلا فكان يجوز للعباس وغيره ذلك دون إرخاص، وهو أن يبيت من جمرة العقبة إليها، وقال مالك: من بات وراء الجمرة فعليه الفدية ووجهه أنه يبيت بغير منى وهو مبيت مشروع في الحج فلزم الدم بتركه كالمبيت بالمزدلفة. وعند ابن أبي شيبة عن زيد بن حباب أنبأنا إبراهيم بن نافع أنبأنا عمرو ابن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، قال: إذا رميت الجمار بت حيث شئت. حدثنا زيد بن حباب أنبأنا إبراهيم حدثنا ابن أبي نجيح عن عطاء، قال: لا بأس أن يبيت الرجل بمكة ليالي منى إذا كان في ضيعته. ومن حديث ليث عن طاووس عن ابن عباس أنه قال لا يبيتن أحد من وراء العقبة ليلا بمنى أيام التشريق. ومن حديث عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان ينهى أن يبيت أحد من وراء العقبة، وكان يأمرهم أن يدخلوا منى. ومن حديث حجاج عن عطاء أن ابن عمر كان يكره أن ينام أحد أيام منى بمكة. ومن حديث ليث عن مجاهد: لا بأس أن يكون أول الليل بمكة وآخره بمنى، ولا بأس أن يكون أول الليل بمنى وأخره بمكة. وعن محمد بن كعب من السنة إذا زرت البيت أن لا تبيت إلا بمنى. وعن أبي قلابة: إجعلوا أيام منى بمنى. وعن عروة: لا يبيتن أحد من وراء العقبة أيام التشريق. وقال إبراهيم: إذا بات دون العقبة اهراق لذلك دما. وعن عطاء: يتصدق بدرهم أو نحوه. وعن سالم: يتصدق بدرم، والأسانيد إليهم صحيحة.
وفي (شرح المهذب): ومن المعذورين من له مال يخاف ضياعه إن اشتغل بالمبيت، أو يخاف على نفسه، أو كان به مرض أو له مريض يطلب آبقا وشبه ذلك، ففي هؤلاء وجهان، الصحيح المنصوص: يجوز لهم ترك المبيت، ولا شيء عليهم بسببه، ولهم النفر بعد الغروب ولو ترك البيات ناسيا كان كتركه عامدا. وفي (التوضيح): لا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل، وفي قول: إن الاعتبار بوقت بطلوع الفجر، وفي (المدونة): من بات عنها كل الليل فعليه دم. وقال ابن عباس: من كان له مناخ بمكة يخشى عليه ضياعه بات بها، ومقتضاه إباحته للعذر، وعليه دم على مقتضى قول ابن نافع في (مبسوطه): من زار البيت فمرض وبات بمكة فعليه هدي يسوقه من الحل إلى الحرم، وإن بات الليالي كلها بمكة قال الداودي: فقيل: عليه شاة، وقيل: بدنة.
5361 حدثنا إسحاق قال حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فات رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها فقال اسقني قال يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه قال إسقني فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هاذه يعني عاتقه وأشار إلى عاتقه.
مطابقته للترجمة في قوله: (جاء إلى السقاية)، هذا الأسناد بعينه مضى في أول: باب المريض يطوف راكبا، وإسحاق هو ابن
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 277 278 279 ... » »»