ذكر من أخرجه غيره: أخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى بن يحيى وقتيبة. وأخرجه أبو داود عن القعنبي. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة، رضي الله تعالى عنه به.
ذكر معناه: قوله: (وهو على المنبر)، جملة اسمية وقعت حالا. قوله: (وذكر الصدقة)، جملة فعلية وقعت حالا. قوله: (والمسألة) بواو العطف على ما قبله، وفي رواية مسلم، رحمه الله تعالى: عن قتيبة عن مالك، رضي الله تعالى عنه، والتعفف عن المسألة. ولأبي داود، رحمه الله تعالى: والتعفف منها، أي: من أخذ الصدقة. والمعنى: أنه كان يحض الغنى على الصدقة والفقير على التعفف عن المسألة، أو يحضه على التعفف ويذم على المسألة.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: كراهة السؤال إذا لم يكن عن ضرورة نحو الخوف من هلاكه ونحوه، وقال أصحابنا: من له قوت يوم فسؤاله حرام. وفيه: الغني الشاكر أفضل من الفقير، وفيه خلاف. وفيه: إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح من موعظة وعلم وقربة. وفيه: الحث على الصدقة والإنفاق في وجوه الطاعة.
91 ((باب المنان بما أعطى)) أي: هذا باب في بيان ذم المنان بما أعطى أي: بما أعطاه، وإنما قدرنا هكذا لأن لفظ المنان يشعر بالذم لأنه لا يذكر إلا في موضع الذم في حق بني آدم، ولهذا قال تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * (البقرة: 462). فإذا كان المن مبطلا للصدقات يكون من الأشياء الذميمة. قال ابن بطال: الامتنان مبطل لأجر الصدقة. قال تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * (البقرة: 462). وقال القرطبي: لا يكون المن غالبا إلا عن البخل والكبر والعجب ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم الله عليه، فالبخيل تعظم في نفسه العطية، وإن كانت حقيرة في نفسها، والعجب يحمله على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله عن المعطي، والكبر يحمله على أن يحقر المعطى له وإن كان في نفسه فاضلا، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم عليه، ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يزيل عن المعطي من إثم المنع وذم المانع ولما يحصل له من الأجر الجزيل والثناء الجميل. انتهى. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالوعيد الشديد في حق المنان فيما رواه مسلم من حديث أبي ذر، رضي الله تعالى عنه: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف، والمسبل إزاره). وفي الباب أيضا عن ابن مسعود وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهما، وأبي أمامة بن ثعلبة وعمران بن حصين ومعقل بن يسار. فإن قلت: لم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا؟ قلت: كأنه لم يتفق له حديث على شرطه، فلذلك اكتفى بذكر الآية المذكورة. وفي (التلويح): والذي يقارب شرطه حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه، وقال بعضهم: كأنه أشار إلى ما رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعا. قلت: هذا كلام غير موجه، لأنه كيف يشير إلى شيء ليس بموجود والإشارة إنما تكون للحاضر؟ ولهذا لم تثبت هذه الترجمة إلا في رواية الكشميهني وحده بغير حديث.
لقوله * (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا) * (البقرة: 262). الآية.
علل الترجمة بهذه الآية، ووجه ذلك أن الله تعالى مدح الذين ينفقون أموالهم في سبيله ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منا على ما أعطوه، ولا يمنون به على أحد لا بقول ولا بفعل، والذين يتبعون ما أنفقوا منا وأذى يكونون مذمومين ولا يستحقون من الخيرات ما يستحق الذين لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى، فيكون وجه التعليل هذا، والشيء يتبين بضده، قوله: (ولا أذى) أي: ولا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان، ثم وعدهم الله بالجزاء الجميل على ذلك، فقال: لهم أجرهم عند ربهم، أي: ثوابهم على الله لا على أحد سواه، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أهوال القيامة ولا هم يحزنون، أي: على ما خلفوه من الأولاد ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها، وذكر الواحدي عن الكلبي، قال: نزلت هذه الآية في عثمان وعبد الرحمن بن عوف، جاء عبد الرحمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم، نصف ماله، وقال عثمان: علي جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك، فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها وأحلاسها، فنزلت فيهما هذه الآية الكريمة، والله أعلم. وقال ابن بطال: ذكر أهل التفسير أنها نزلت في الذي يعطي ماله المجاهدين في