عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٢٨
أي: اجعل سنيهم سبعا، أو ليكن سبعا، ويروى سبع بالرفع، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: البلاء المطلوب عليهم سبع سنين، كالسنين السبع التي كانت في زمن يوسف، وهي السبع الشداد التي أصابهم فيها القحط، أو يكون المعنى: المدعو عليهم قحط كقحط يوسف، ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنه اسم كان التامة، تقديره: ليكن سبع. وفي الوجه الأول: كان، ناقصة. وجاء في رواية (لما دعا قريشا كذبوه واستعصوا عليه، فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، قوله: (سنة)، بالفتح: القحط والجدب. قال الله تعالى: * (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) * (الأعراف: 031). قوله: (حصت كل شيء)، بحاء وصاد مهملتين مشددة الصاد أي: استأصلت وأذهبت النبات، فانكشفت الأرض، وفي (المحكم): سنة حصاء: جدبة قليلة النبات. وقيل: هي التي لا نبات فيها. قوله: (حتى أكلوا)، كذا هو في رواية المستملي والحموي وعند غيرهما: (حتى أكلنا)، والأول أشبه. قوله: (والجيف)، بكسر الجيم وفتح الياء آخر الحروف: جمع الجيفة، وهي جثة الميت وقد أراح، فهي أخص من الميت لأنها ما لم تلحقه ذكاة. قوله: (وينظر أحدكم)، ويروى: (أحدهم)، وهو الأوجه. قوله: (فأتاه أبو سفيان) يعني: صخر بن حرب، ودل هذا على أن القصة كانت قبل الهجرة. قوله: (قال الله تعالى: فارتقب) يعني: لما قال أبو سفيان: إن قومك قد هلكوا فادع الله لهم، قرأ النبي، صلى الله عليه وسلم: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * (الدخان: 01). وكذا في: باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط، فإن البخاري أخرج حديث الباب أيضا هناك: عن محمد بن كثير عن سفيان عن منصور عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق. قال: أتيت ابن مسعود.. الحديث. وفيه: (فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد تأمر بصلة الرحم وأن قومك قد هلكوا؟ فادع الله عز وجل فقرأ: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * (الدخان: 0)..
وأخرج في تفسير سورة الدخان، حدثنا يحيى حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى (عن مسروق، قال: دخلت على عبد الله، فقال: إن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم، إن الله قال لنبيه، صلى الله عليه وسلم: * (قل لا أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) * (ص 1764;: 68). إن قريشا لما غلبوا النبي، صلى الله عليه وسلم، واستعصوا عليه، قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع، قال: * (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) * (الدخان: 21). فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربه فكشف عنهم. فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان) * (الدخان: 01). إلى قوله، جل ذكره: * (إنا منتقمون) * (الدخان: 61). وأخرج مسلم (عن مسروق قال: جاء إلى عبد الله رجل فقال: تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه، يفسر هذه الآية: * (يوم تأتي السماء بدخان مبين) * (الدخان: 21). قال: يأتي الناس دخان يوم القيامة فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام، فقال عبد الله؛ من علم علما فليقل به، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل إن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، إنما كان هذا أن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، حتى أكلوا العظام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا. فقال لمضر: إنك لجريء، قال: فدعا الله لهم، فأنزل الله: * (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) * (الدخان: 51). قال: فمطروا، فلما أصابهم الرفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه، فأنزل الله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) * (الدخان: 01، 11). يعني: يوم بدر. انتهى. وقد علمت أن الأحاديث يفسر بعضها بعضا، وذلك أن أبا سفيان لما قال: ادع الله لهم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * (الدخان: 01). كما في رواية البخاري عن محمد بن كثير الذي ذكرناه، وصرح في رواية مسلم أنه لما دعا الله لها أنزل الله تعالى: * (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) * (الدخان: 51). فقبل الله دعاءه صلى الله عليه وسلم، فمطروا، فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى ما كانوا عليه فأنزل الله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * (الدخان: 01). المعني: فانتظر يا محمد عذابهم. ومفعول ارتقب، محذوف وهو: عذابهم.
قوله: (يغشى الناس) صفة للدخان في محل الجر يعني: يشملهم ويلبسهم. وقيل: * (يوم تأتي السماء) * (الدخان: 01). مفعول * (فارتقب) * (الدخان: 01). قوله: * (هذا عذاب أليم) * (الدخان: 11). يعني: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوما وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر كمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره. وقوله: * (هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) * (الدخان: 21). كل ذلك منصوب المحل بفعل مضمر، وهو: يقولون، ويقولون
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»