عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٢٦٤
يقال شوقتني من الشوق وقال بعضهم وأعجبني تأكيد لفظي لأعجبنني (قلت) ليس كذلك لأن التأكيد اللفظي أن يكرر عين اللفظ الواحد قوله ' أو ذو محرم ' قال النووي المحرم من النساء من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها فقولنا على التأبيد احتراز من أخت المرأة وبسبب مباح احتراز من أم الموطوأة بالشبهة لأن وطأ الشبهة لا يوصف بالإباحة لأنه ليس بفعل مكلف ولحرمتها احتراز من الملاعنة فإن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظا قال أصحابنا المحرم كل من لا يحل له نكاحها على التأبيد لقرابة أو رضاع أو صهرية والعبد والحر والمسلم والذمي سواء إلا المجوسي الذي يعتقد إباحة نكاحها والفاسق لأنه لا يحصل به المقصود ولا بد فيه من العقل والبلوغ لعجز الصبي والمجنون عن الحفظ (ذكر ما يستفاد منه) قد ذكرنا أن هذا الحديث مشتمل على أربعة أحكام * الأول في حكم المرأة التي تسافر وفيه خمسة مذاهب * الأول مذهب الحسن البصري والزهري وقتادة فإنهم قالوا لا يجوز للمرأة أن تسافر ليلتين بلا زوج أو محرم فإذا كان أقل من ذلك يجوز واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور * الثاني مذهب إبراهيم النخعي والشعبي وطاوس والظاهرية فإنهم قالوا لا يجوز للمرأة أن تسافر مطلقا سواء كان السفر قريبا أو بعيدا إلا إذا كان معها زوج أو ذو محرم لها واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول قال ابن عباس ' خطب رسول الله الناس فقال لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها ذو محرم فقام رجل فقال يا رسول الله إني قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا وقد أردت أن أحج بامرأتي فقال رسول الله ' احجج مع امرأتك ' ورواه البخاري ومسلم وابن ماجة بنحوه قالوا بعموم الحديث واشتماله على حكم السفر مطلقا وروى الطحاوي أيضا من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي قال ' لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم ' وأخرج البزار عنه نحوه. الثالث مذهب عطاء وسعيد بن كيسان وقوم من الطائفة الظاهرية فإنهم قالوا بجواز سفر المرأة فيما دون البريد فإذا كان بريدا فصاعدا فليس لها أن تسافر إلا بمحرم واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي ثم البيهقي من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله ' لا تسافر امرأة بريدا إلا مع زوج أو ذي محرم ' وأخرجه أبو داود أيضا والبريد فرسخان وقيل أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع. الرابع مذهب الأوزاعي والليث ومالك والشافعي فإنهم قالوا للمرأة أن تسافر فيما دون اليوم بلا محرم وفيما زاد على ذلك لا إلا بزوج أو محرم لكن عند مالك والشافعي لها أن تسافر للحج الفرض بلا زوج ومحرم وإن كان بينها وبين مكة سفر أو لم يكن فإنهما خصا النهي عن ذلك بالأسفار الغير الواجبة واحتجوا في ذلك بما رواه مسلم من حديث أبي سعيد أن أباه أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله ' لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم '. الخامس مذهب الثوري والأعمش وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد فإنهم قالوا ليس للمرأة أن تسافر مسافة ثلاثة أيام فصاعدا إلا مع زوج أو ذي محرم فإذا كان أقل من ذلك فلها أن تسافر بغير محرم واحتجوا في ذلك بما رواه أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله قال ' لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم ' وأخرجه الطحاوي أيضا ثم التوفيق بينه وبين هذه الروايات وبيان العمل بحديث الثلاث هو أن هذه الأحاديث كلها متفقة على حرمة السفر عليها بغير محرم مسافة ثلاثة أيام فما فوقها وفي تقييده بالثلاث إباحة لما دونها إذ لو لم يكن كذلك لما كان لتعيين الثلاث فائدة ولكان نهى مطلقا وكلام الحكيم يصان عن اللغو وعما لا فائدة فيه فإذا ثبت بذكر الثلاث وتعينه إباحة ما دونه يحتاج إلى التوفيق بينه وبين ما روي من اليوم واليومين والبريد فيقال أن خبر الثلاث إن كان متأخرا فهو ناسخ وإن كان متقدما فقد جاءت الإباحة بأقل منه ثم جاء النهي بعده عن سفر ما دون الثلاث فحرم ما حرم الحديث الأول وزاد عليه حرمة أخرى وهي ما بينه وبين الثلاث فوجب استعمال الثلاث على ما أوجبه في الأحوال كلها فحينئذ الأخذ به أولى من الذي يجب في حال دون حال وقال القاضي عياض عن أبي سعيد في رواية
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»