عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٦
فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت. قوله: (يومىء) جملة فعلية مضارعية وقعت حالا، (وإيماء) منصوب على المصدرية. قوله: (صلاة الليل) منصوب لأنه مفعول لقوله: (يصلي) قوله: (إلا الفرائض) استثناء منقطع أي: لكن الفرائض لم تكن تصلى على الراحلة، ولا يجوز أن يكون الاستثناء متصلا لأنه ليس المراد استثناء فريضة الليل فقط، إذ لا تصلى فريضة أصلا على الراحلة ليلية أو نهارية. قوله: (ويوتر) عطف على قوله: (يصلي)، أراد أنه بعد فراغه من صلاة الليل يوتر على راحلته.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه: الأول: احتج به قوم على جواز صلاة الوتر على الراحلة في السفر، ومنعه آخرون، وقد مر الكلام فيه مستقصى في الباب السابق. الثاني: تجوز صلاة النفل على الراحلة بالإيماء في السفر حيث توجهت به دابته، وفي (التلويح): واختلفوا في الصلاة على الدابة في السفر الذي لا تقصر في مثله الصلاة، فقال جماعة: يصلي في قصير السفر وطويلة، وعن مالك: لا يصلي أحد على دابته في سفر لا تقصر في مثله الصلاة. وقال القدوري: ومن كان خارج المصر يتنفل على دابته. وقال صاحب (الهداية): والتقييد بخارج المصر ينفي اشتراط السفر، لأنه أعم من أن يكون سفرا أو غير سفر، وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن جواز التطوع على الدابة، للمسافر خاصة، والصحيح أن المسافر وغيره سواء بعد أن يكون خارج المصر، واختلفوا في مقدار البعد عن المصر، والمذكور في الأصل مقدار فرسخين أو ثلاثة، وقدر بعضهم بالميل ومنع الجواز في أقل منه، وعند الشافعي: يجوز في طويل السفر وقصيره. الثالث: لا تجوز صلاة الفرض على الدابة بلا ضرورة، وفي (خلاصة الفتاوي): أما صلاة الفرض على الدابة بالعذر فجائزة، ومن الأعذار: المطر، عن محمد: إذا كان الرجل في السفر فأمطرت السماء فلم يجد مكانا يابسا ينزل للصلاة فإنه يقف على الدابة مستقبل القبلة ويصلي بالإيماء إذا أمكنه إيقاف الدابة، فإن لم يمكنه يصلي مستدبر القبلة، وهذا إذا كان الطين بحال يغيب وجهه فيه، وإلا صلى هناك. ومن الأعذار: اللص والمرض وكونه شيخا كبيرا لا يجد من يركبه إذا نزل، والخوف من السبع. وفي (المحيط): تجوز الصلاة على الدابة في هذه الأحوال ولا تلزمه الإعادة بعد زوال العذر، وحكم السنن الرواتب كحكم التطوع، وعن أبي حنيفة: أنه ينزل لسنة الفجر، ولهذا لا يجوز فعلها قاعدا عنده لكونها واجبة عنده في رواية، وعن الشافعي وأحمد أنها آكد من الوتر. الرابع: قال بعضهم: واستدل بحديث الباب على أن الوتر ليس بفرض، وعلى أنه ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه قلت: نحن أيضا نقول: إنه ليس بفرض، ولكنه واجب للدلائل التي ذكرناها، ومن لم يفرق بين الفرض والواجب فقد صادم اللغة، والمعنى اللغوي مراعى في المعنى الشرعي، وقد مر في حديث أبي قتادة التصريح بالوجوب، وفي (موطأ مالك): أنه بلغه أن ابن عمر سئل عن الوتر أواجب هو؟ فقال عبد الله: قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وفيه دلالة ظاهرة على وجوبه، إذ كلامه يدل على أنه صار سبيلا للمسلمين، فمن تركه فقد دخل في قوله تعالى: * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * (النساء: 51). وقول هذا القائل: وعلى أنه ليس من خصائص النبي، صلى الله عليه وسلم، وجوب الوتر عليه، معناه: واستدل أيضا على أن الوتر ليس من خصائص النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن عقيل: صح أنه كان واجبا عليه، وقول القرافي في (الذخيرة): الوتر في السفر ليس واجبا عليه، وصلاته إياه على الراحلة كانت في السفر قول بغير استناد إلى سنة صحيحة ولا ضعيفة. وقال ابن الجوزي: لا نعلم في تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم، بالوجوب حديثا صحيحا. قلت: عدم علمه لا يستلزم نفي علم غيره، ولكن نقول: الحديث الذي ورد به من رواية الحاكم، في مسنده أبو جناب يحيى بن أبي حية، وهو ضعيف مدلس. قلت: أبو جناب، بفتح الجيم والنون وبعد الألف باء موحدة، وأبو حية، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: الكلبي الكوفي، يروي عن ابن عمر، روى عنه ابنه يحيى بن أبي حية.
7 ((باب القنوت قبل الركوع وبعده)) أي: هذا باب في بيان القنوت قبل الركوع بعد فراغه من القراءة وبعد الركوع أيضا، وأشار به إلى أنه ورد في الحالين جميعا، كما سنذكره إن شاء الله تعالى، وأشار بهذه الترجمة أيضا إلى مشروعية القنوت، ردا على من قال: إنه بدعة، كابن عمر. وفي (المنتقى) لأبي عمر: عن ابن عمر وطاووس: القنوت في الفجر بدعة، وبه قال الليث ويحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن يحيى الأندلسي.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»