عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٤٥
السلمي أنه أتى عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة. فقال: أهذا مثل هذا الشعر؟ أو نثرا مثل نثر الدقل؟ وإنما فصل لتفصلوه، لقد علمنا النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن عشرين سورة الرحمن والنجم، على تأليف ابن مسعود كل سورتين في ركعة، وذكر الدخان وعم يتساءلون في ركعة، فقلت لإبراهيم: أرأيت ما دون ذلك كيف أصنع؟ قال: ربما قرأت أربعا في ركعة. انتهى. وهذا ينادي بأعلى صوته: إن المراد من النظائر السور المتقاربة في المقدار لا في المعاني، لأن ذكر فيه الرحمن والنجم، وهما متقاربان في المقدار، لأن الرحمن ست وسبعون آية. والنجم ثنتان وستون آية، وهي قريبة من سورة الرحمن في كونهما من النظائر. وكذا ذكر فيه الدخان وعم يتساءلون فإنهما أيضا متقاربان في المقدار، فإن الدخان سبع أو تسع وخمسون آية، وعم يتساءلون أربعون أو إحدى وأربعون آية. وقوله: (فقلت لإبراهيم: أرأيت ما دون ذلك كيف أصنع؟) معناه: ما دون السور الأربع المذكورة في المقدار، وهو الطول والقصر، وكيف أصنع؟ قال: ربما قرأت أربعا، أي: أربع سور من السور التي هي أقصر في المقدار من السور المذكورة التي هي: الرحمن والنجم والدخان وعم يتساءلون. قوله: (على تأليف ابن مسعود)، أراد به أن سورة النجم كان بحذاء سورة الرحمن في مصحف ابن مسعود، بخلاف مصحف عثمان. قوله: في لفظه أي: البخاري يقرن بينهن أي: بين النظائر، و: يقرن، بضم الراء وكسرها. قوله: (فذكر عشرين سورة) أي: فذكر ابن مسعود عشرين سورة التي هي النظائر، ولكن لم يفسرها ههنا، وقد فسرها في رواية أبي داود، قال: حدثنا عباد بن موسى حدثنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود، قالا: أتى ابن مسعود رجل فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة. فقال: أهذا كهذا الشعر ونثرا كنثر الدقل؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن النظائر: السورتين في ركعة الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والذاريات والطور في ركعة، والواقعة والنون في ركعة وسأل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهى أتى ولا أقسم في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة. وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة. فإن قلت: الدخان ليست من المفصل، فكيف عدها من المفصل؟ قلت: فيه تجوز، فلذلك قال في (فضائل القرآن من رواية وأصل): عن أبي وائل ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم، حيث أخرج الدخان من المفصل، والتقدير فيه: وسورتين إحداهما من آل حم حتى لا يشكل هذا أيضا.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: النهي عن الهذ. وفيه: الحث على الترسل والتدبر، وبه قال جمهور العلماء، وقال القاضي: وأباحت طائفة قليلة الهذ. وفيه: جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها والأولى التساوي فيهما إلا في الصبح، فالأفضل فيه تطويل الركعة الأولى على الثانية، وقد ذكرناه مع الخلاف فيه. وفيه: جواز الجمع بين السور لأنه إذا جاز الجمع بين السورتين فكذلك يجوز بين السور، والدليل عليه حديث عائشة حين سألها عبد الله بن شقيق: (أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور؟ قالت: نعم من المفصل). ولا يخالف هذا ما جاء في التهجد: أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال، لأنه كان نادرا. وقال عياض، في حديث ابن مسعود: هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبا، وأما تطويله فإنما كان في التدبر والترسل، وأما ما ورد غير ذلك من قراءة البقرة وغيرها في ركعة فكان نادرا. وقال بعضهم: ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة، بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل. انتهى. قلت: آخر كلامه ينقض أوله، لأن لفظة: كان، تدل على الاستمرار، وهو يدل على المواظبة. وقال الكرماني: وفيه: دليل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل كانت عشر ركعات، وكان يوتر بواحدة. قلت: لا نسلم أن ظاهر الحديث يدل على هذا، ولئن سلمنا ما قاله، ولكن من أين يدل على أن وتره كان ركعة واحدة؟ بل كان ثلاث ركعات، لأنه كان يصلي ثمان ركعات ركعتين ركعتين ثم يصلى ثلاث ركعات ركعات أخرى بتسليمة واحدة في آخرهن، فهذه هي وتره، صلى الله عليه وسلم، وسيجئ تحقيق هذا في أبواب الوتر إن شاء الله تعالى.
107 ((باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب)) أي: هذا باب ترجمته يقرأ المصلي في الركعتين الأخريين من ذوات الأربع بفاتحة الكتاب ولا يزيد عليها، وقال بعضهم:
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»