عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٤٩
إن أبا عثمان لم يدرك بلالا، وقال أبو حاتم الرازي: رفعه خطأ، ورواه الثقات عن عاصم عن أبي عثمان مرسلا، وقال البيهقي: وقيل عن أبي عثمان عن سلمان، قال: قال بلال، وهو ضعيف ليس بشيء. قلت: عاصم هو الأحول، وأبو عثمان هو عبد الرحمن ابن مل النهدي.
وقال نافع كان ابن عمر لا يدعه ويحضهم وسمعت منه في ذلك خيرا مطابقته للترجمة من حيث إنه كان لا يترك التأمين، وهذا يتناول أن يكون إماما أو مأموما، وكان في الصلاة أو خارج الصلاة، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني نافع أن ابن عمر كان إذا ختم أم القرآن قال: آمين، لا يدع أن يؤمن إذا ختمها، ويحضهم على قولها. قوله: (لا يدعه) أي: لا يتركه. قوله: (ويحضهم)، بالضاد المعجمة أي: يحثهم على القول بآمين، وأن لا يتركوا. قوله: (وسمعت منه) أي: من ابن عمر (في ذلك)، أي: في القول بآمين (خيرا)، بالياء آخر الحروف، وهي رواية الكشميهني، أي: فضلا وثوابا. وقال السفاقسي: أي خيرا موعودا لمن فعله. وفي رواية غيره: خيرا، بفتح الباء الموحدة، حديثا مرفوعا. ويستأنس في ذلك بما أخرجه البيهقي: كان ابن عمر إذا أمن الناس أمن معهم، ويروى: ذلك من السنة.
780 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. وقال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين. (الحديث 780 طرفه في: 6402).
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر القوم بالتأمين عند تأمين الإمام.
ورجاله قد ذكروه غير مرة، وابن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
وفيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك في موضع واحد وبصيغة التثنية من الماضي في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع.
وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن يحيى بن يحيى، وأبو داود فيه عن القعنبي، والترمذي فيه عن أبي كريب عن زيد بن الحباب، والنسائي فيه وفي الملائكة عن قتيبة، خمستهم عن مالك عن الزهري.
ذكر معناه: قوله: (إذا أمن الإمام) أي: إذا قال الإمام: آمين، بعد قراءة الفاتحة (فأمنوا) أي: فقولوا: آمين. قوله: (فإنه) أي: فإن الشان. قوله: (من وافق تأمينه تأمين الملائكة)، زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم: (فإن الملائكة تؤمن) قبل قوله: (فمن وافق)، كذا في رواية ابن عيينة: عن ابن شهاب عند البخاري في الدعوات، وقال ابن حبان في (صحيحه): (فإن الملائكة تقول: آمين)، ثم قال: يريد أنه إذا أمن كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء خالصا لله تعالى، فإنه حينئذ يغفر له. قلت: هذا التفسير يندفع بما في (الصحيحين): عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء، ووافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه). انتهى. وزاد فيه مسلم: (إذا قال أحدكم في الصلاة...) ولم يقلها البخاري وغيره، وهي زيادة حسنة نبه عليها عبد الحق في (الجمع بين الصحيحين)، وفي هذا اللفظ فائدة أخرى. وهي: اندراج المنفرد فيه، وغير هذا اللفظ إنما هو في الإمام وفي المأموم أو فيهما، والله أعلم.
واختلفوا في هؤلاء الملائكة، فقيل هم الحفظة، وقيل: الملائكة المتعاقبون، وقيل: غير هؤلاء لما روى البيهقي بلفظ: (إذا قال القارئ: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *، وقال من خلفه: آمين، ووافق ذلك قول أهل السماء: آمين، غفر له ما تقدم من ذنبه). ورواه الدارمي أيضا في (مسنده) وقيل: هم جميع الملائكة، بدليل عموم اللفظ لأن الجمع المحلى باللام يفيد الاستغراق بأن يقولها الحاضرون من الحفظة ومن فوقهم حتى ينتهي إلى الملأ الأعلى، وأهل السماوات. قوله: (غفر له ما تقدم من ذنبه) ووقع في رواية بحر بن نصر: عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث: (وما تأخر)
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»