عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٦٥
على إصابة كل مجتهد لأنه لم يصرح بإصابة الطائفتين بل بإصابة ترك تعنيفهما ولا خلاف في ترك تعنيف المجتهد وإن أخطأ إذا بذل وسعه وأما اختلافهم فسببه أن الأدلة تعارضت فإن الصلاة مأمور بها في الوقت والمفهوم من ' لا يصلين ' المبادرة بالذهاب إليهم فأخذ بعضهم بذلك فصلوا حين خافوا فوت الوقت والآخرون بالآخر فأخروها ويقال اختلاف الصحابة في المبادرة بالصلاة عند ضيق وقتها وتأخيرها سببه أن أدلة الشرع تعارضت عندهم فإن الصلاة مأمور بها في الوقت مع أن المفهوم من قوله ' لا يصلين أحد إلا في بني قريظة ' المبادرة بالذهاب إليه وأن لا يشتغل عنه بشيء لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه من حيث أنه تأخير فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظرا إلى المعنى لا إلى اللفظ فصلوا حين خافوا فوات الوقت وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته ولم يعنف الشارع واحدا منهما لأنهم مجتهدون ففيه دليل لمن يقول بالمفهوم والقياس ومراعاة المعنى ولمن يقول بالظاهر أيضا (قلت) هذا القول مثل ما قال النووي مع بعض زيادة فيه وقال الداودي فيه أن المتؤول إذا لم يبعد في التأويل ليس بمخطىء وأن السكوت على فعل أمر كالقول بإجازته * - 6 ((باب التكبير والغلس بالصبح والصلاة عند الإغارة والحرب)) أي: هذا باب في بيان التكبير من كبر يكبر تكبيرا، وهو قول: الله أكبر، هكذا هو في معظم الروايات، وفي رواية الكشميهني: التبكير، بتقديم الباء الموحدة من: بكر يبكر تبكيرا إذا أسرع وبادر، و: الغلس، بفتحتين: الظلمة آخر الليل، والمراد منه التغليس بصلاة الصبح. قوله: (عند الإغارة) يتعلق بالتكبير، وما عطف عليه، والإغارة، بكسر الهمزة في الأصل: الإسراع في العدو، ويقال: أغار يغير إغارة، وكذلك الغارة، والمراد به ههنا: الهجوم على العدو على وجه الغفلة، فهو من الأجوف الواوي. فإن قلت: ما مناسبة ذكر هذا الباب في كتاب صلاة الخوف؟ قلت: قيل: أشار بذلك إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت، كما شرطه من شرطه في صلاة شدة الخوف عند التحام القتال، وقيل: يحتمل أن يكون للإشارة إلى تعيين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها. قلت: هذا وجه بعيد لا يخفى ذلك، لأن محل ذلك في كتاب الصلاة.
947 حدثنا مسدد قال حدثنا حماد عن عبد العزيز بن صهيب وثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب فقال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون في السكك ويقولون محمد والخميس قال والخميس الجيش فظهر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل المقاتلة وسبى الذراري فصارت صفية لدحية الكلبي وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل صداقها عتقها فقال عبد العزيز لثابت يا أبا محمد أأنت سألت أنسا ما أمهرها قال أمهرها نفسها فتبسم..
مطابقته للترجمة في قوله: (صلى الصبح بغلس ثم ركب فقال الله أكبر).
ورجاله قد ذكروا غير مرة. وأخرجه البخاري أيضا في: باب ما يذكر في الفخذ، بأطول منه، وأتم عن يعقوب بن إبراهيم عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس، رضي الله تعالى عنهم. وتكلمنا هناك على جميع ما يتعلق به.
قوله: (بغلس) أي: في أول الوقت. وقيل: التغليس بالصبح سنة سفرا أو حضرا، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم ذلك. قلت: إنما غلس هنا لأجل مبادرته إلى الركوب، وقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة بالأمر بالإسفار. قوله: (فقال: الله أكبر) فيه: أن التكبير عند الإشراف على المدن والقرى سنة، وكذا عندما يسر به من ذلك عند رؤية الهلال، وكذا رفع الصوت به إظهارا لعلو دين الله تعالى، وظهور أمره. قوله: (خربت خيبر)، يحتمل الإنشاء والخبر، وفيه التفاؤل، وبخرابه سعادة المسلمين فهو من الفأل الحسن لا من الطيرة. قوله: (بساحة قوم) قال ابن التين: الساحة الموضع، وقيل: ساحة الدار. قوله: (فساء صباح المنذرين) أي: أصابهم السوء من القتل على الكفر
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»