عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٥٤
قوله: * (وإذا ضربتم في الأرض) * الضرب في الأرض السفر، ويقال: ضربت في الأرض إذا سافرت، وتأتي هذه المادة لمعان كثيرة. قوله: * (جناح) * أي: إثم. قوله: * (أن تقصروا) * ظاهره التخيير بين القصر والإتمام، وأن الإتمام أفضل، وإليه ذهب الشافعي، وعن أبي حنيفة: القصر في السفر عزيمة غير رخصة، لا يجوز غيره. وقرئ: إن تقصروا، بضم التاء من: الإقصار، وقرأ الزهري ان تقصروا، بالتشديد، والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة. وهو قوله: * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * وأما في حال الأمن فبالسنة، واحتج الشافعي أيضا بما رواه مسلم والأربعة عن يعلى بن أمية. قال: قلت لعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: قال الله تعالى: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) * فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم، فاقبلوا صدقته). فقد علق القصر بالقبول وسماه صدقة والمتصدق عليه مخير في قبول الصدقة، فلا يلزمه القبول حتما.
ولنا أحاديث: منها: حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر). رواه البخاري ومسلم. ومنها: حديث ابن عباس قال: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة). رواه مسلم. ومنها: حديث عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: (صلاة السفر ركعتان، وصلاة الضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم). رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان في (صحيحه) والجواب عن حديث يعلى بن أمية أنه دليلنا لأنه أمر بالقبول والأمر للوجوب.
قوله: (أن يفتنكم)، المراد من الفتنة ههنا القتال والتعرض لما يكره. قوله: (وإذا كنت فيهم) تعلق به أبو يوسف وذهب إلى أن صلاة الخوف غير مشروعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال الحسن بن زيادة والمزني وإبراهيم بن علية، فعلل المزني بالنسخ في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخرها يوم الخندق، وعلل أبو يوسف بأن الله شرط كون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم لإقامتها، ورد ما قاله المزني بما روي عن الصحابة في هذا الباب بعد الخندق، والخندق مقدم على المشهور، فكيف ينسخ المتأخر؟ ذكره النووي وغيره، ورد ما قاله أبو يوسف بأن الصحابة فعلوها بعده صلى الله عليه وسلم، وأن سببها الخوف وهو متحقق بعده، كما في حياته، ثم إعلم أن الخوف لا يؤثر في نقصان عدد الركعات إلا عند ابن عباس والحسن البصري وطاووس حيث قالوا: إنها ركعة، وروى مسلم من حديث مجاهد، (عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة). وأخرجه الأربعة أيضا، وإليه ذهب أيضا عطاء وطاووس ومجاهد والحكم بن عتيبة وقتادة وإسحاق والضحاك. وقال ابن قدامة: والذي قال منهم: ركعة، إنما جعلها عند شدة القتال، وروي مثله عن زيد بن ثابت وأبي هريرة وجابر، قال جابر: إنما القصر ركعة عند القتال، وقال إسحاق: يجزيك عن الشدة ركعة تومىء إيماء فإن لم تقدر فسجدة واحدة، فإن لم تقدر فتكبيرة لأنها ذكر الله تعالى. وعن الضحاك أنه قال: ركعة، فإن لم تقدر كبر تكبيرة حيث كان وجهك،. وقال القاضي: لا تأثير للخوف في عدد الركعات، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، وسائر أهل العلم من علماء الأمصار لا يجيزون ركعة.
942 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني صلاة الخوف قال أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاؤا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين..
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيها مشروعية صلاة الخوف، والحديث فيه كذلك مع بيان صفتها.
ذكر
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»