جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)، وليس فيه ذكر شهود ولا غيره. وأجاب ابن التين عنه: بأنه أراد سقوط الواجب عنهم، لأنه قال: وهل عليهم؟ فأبان بحديث: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، أنها غير واجبة على الصبيان، ولم يجب عن سقوط الواجب عن النساء، ويجاب عن هذا بما ذكرنا.
877 وحدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل.
مطابقته للجزأين الأخيرين من الترجمة تفهم من الجواب عن اعتراض أبي عبد الملك.
ورجاله قد تكرر ذكرهم على هذا النسق.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وغيره. ولفظ مسلم: (إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل). وفي رواية له: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل). وأخرجه الترمذي ولفظه: (من أتى الجمعة فليغتسل). وأخرجه النسائي عن قتيبة عن مالك نحو رواية البخاري سندا ومتنا، وفي لفظ مثل رواية مسلم الثانية، وفي لفظ نحو لفظ البخاري، وفي لفظ: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل). وأخرجه ابن ماجة ولفظه: عن ابن عمر، قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: من أتى الجمعة فليغتسل). وفي رواية لابن حبان في (صحيحه) وأبي عوانة في (مستخرجه): (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل). ورواه ابن خزيمة بزيادة: (ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء). وأخرجه البزار من حديث عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الجمعة فليغتسل). وروى البزار أيضا من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الجمعة فليغتسل)، وروى ابن ماجة أيضا من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا يوم عيد جعله الله للناس، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل). وروى الطبراني من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل). الحديث.
ذكر معناه: قوله: (إذا جاء أحدكم الجمعة)، ظاهره أن يكون الغسل عقيب المجيء، لأن الفاء للتعقيب، ولكن ليس ذلك المراد، وإنما المعنى: إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل، وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع، ولفظه: (إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل)، ونظير ذلك قوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) * (النحل: 98). تقديره: إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ، والظاهرية قالوا بظاهره في القراءة، وههنا لم يقولوا به لظاهر رواية الليث المذكورة، وقال الكرماني: (إذا جاء أحدكم) علم منه أن الغسل إنما هو للمجموع، وهذا عام للصبي وللنساء أيضا. فإن قلت: من أين يستفاد العموم؟ قلت: من لفظ: الأحد، المضاف. فإن قلت: ما وجه دلالته على شهودهما، وهذه شرطية، فلا يدل على وقوع المجيء؟ قلت: لفظة: إذا، لا تدخل إلا فيما كان وقوعه مجزوما به. انتهى. قلت: هذا الذي قاله بناء على أنه فهم من الاستفهام في الترجمة الجزم بالحكم، وليس كذلك على ما قررناه. قوله: (إذا جاء) المراد: بالمجيء هو: أن يحضر إلى الصلاة أول إلى المكان الذي تقام فيه الجمعة، وذكر المجيء باعتبار الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به.
ذكر ما يستفاد منه: احتجت به الظاهرة على أن أول الأمر فيه للوجوب، وليس كذلك، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب وقد زال السبب، فزال الحكم بزوال علته، لما رواه البخاري من حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: (كان الناس مهنة أنفسهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في مهنتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم..) وسيأتي هذا في: باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وبعض أصحابنا قالوا: إن الحديث المذكور منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل). واعترض بأنه ضعيف، فكيف يحكم أن الصحيح منسوخ به؟ قلت: هذا الحديث روي من سبعة أنفس من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وهم: سمرة بن جندب أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة، فذكره. وأنس عند ابن ماجة والطحاوي والبزار والطبراني، وأبو سعيد الخدري عند البيهقي والبزار، وأبو هريرة عند البزار، وابن عدي، وجابر عند ابن عدي في (الكامل)، وعبد الرحمن بن سمرة عند الطبراني، وابن عباس عند البيهقي في (سننه)، وقال الترمذي: حديث حسن. واختلف في سماع الحسن عن سمرة، فعن ابن المديني إمام هذا الفن: أنه سمع منه مطلقا،. ولئن سلمنا ما قاله المعترض فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم، كذا