قاله البيهقي وغيره، وقال المحققون من أصحابنا: إن حديث الكتاب خبر الواحد فلا يخالف الكتاب لأنه يوجب غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس عند القيام إلى الصلاة مع وجود الحدث، فلو وجب الغسل لكان زيادة على الكتاب بخبر الواحد، وهذا لا يجوز لأنه يصير كالنسخ. فافهم قلت: إذا حملنا الأمر فيه على الاستحباب توفيقا بين الحديثين لا يحتاج حينئذ إلى شيء آخر. وقال الشافعي، رضي الله تعالى عنه: ومما يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة فضيلة على الاختيار لا على الوجوب، حديث عمر حيث قال لعثمان: والوضوء أيضا؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة؟ فلو علما أن أمره على الوجوب لم يترك عمر عثمان حتى يرده ويقول له: إرجع فاغتسل. وقال ابن دقيق: في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة، واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب، ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور، قالوا: يجزئ من بعد الفجر. انتهى. قلت: قال صاحب (الهداية): ثم هذا الغسل، أي غسل يوم الجمعة، للصلاة عند أبي يوسف، يعني: لا يصل له الثواب إلا إذا صلى صلاة الجمعة بهذا الغسل، حتى لو اغتسل بعد الجمعة أو أول اليوم وانتقض ثم توضأ وصلى لا يكون مدركا كالثواب والغسل، وهو الصحيح، واحترز به عن قول الحسن بن زياد، فإنه قال: لليوم إظهارا لفضيلته، وبقوله قال داود، وفي (المبسوط): وهو قول محمد، وفي (المحيط): وهو رواية عن أبي يوسف، فعلى هذا عن أبي يوسف، فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان، وقيل: تظهر الفائدة أيضا في هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب، إن كان مسافرا، أو عبدا أو امرأة، أو ممن لا يجب عليه الجمعة، وهذا بعيد، لأن المقصود منه إزالة الرائحة الكريهة كيلا يتأذى الحاضرون بها، وذلك لا يتأتى بعدها، ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة وجامع ثم اغتسل ينوب عن الكل، وفي صلاة الجلابي: لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود، وهو قطع الرائحة الكريهة.
878 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال أخبرنا جويرية عن مالك عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر أية ساعة هاذه قال إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت فقال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل (الحديث 878 طرفه في: 882).
مطابقته للترجمة تفهم من قوله: (والوضوء أيضا) لأن معناه: تركت فضيلة الغسل واقتصرت على الوضوء أيضا.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: عبد الله بن محمد بن أسماء، بفتح الهمزة وبالمد: الضبعي، بضم الضاد المعجمة وفتخ الباء الموحدة: البصري ابن أخي جويرية بن أسماء، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين. الثاني: جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة. الثالث: مالك بن أنس. الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الخامس: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. السادس: أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم.
ذكر لطائف إسناده: وفيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي. وفيه: رواية الرجل عن ابن أخيه. وفيه: رواية الابن عن الأب. وفيه: أن الاثنين الأولين من الرواة والبقية مدنيون.
وأخرجه الترمذي في الصلاة: عن محمد بن أبان حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري (ح)، وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني الليث عن يونس عن الزهري بهذا الحديث، وروى مالك هذا الحديث عن سالم قال: (بينما عمر يخطب يوم الجمعة)، فذكر الحديث. قال أبو عيسى: سألت محمدا عن هذا فقال: الصحيح حديث الزهري عن سالم عن أبيه، قال محمد: وقد روي عن مالك أيضا عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو هذا الحديث. انتهى. قلت: البخاري أورد الحديث المذكور من رواية جويرية بن أسماء عن مالك، وهو عند رواة (الموطأ): عن مالك ليس فيه ذكر ابن عمر، وحكى الإسماعيلي عن البغوي، بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك، أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد