والمراد من الكتب التوراة والإنجيل فتكون الألف واللام فيه للعهد وقال بعضهم اللام للجنس وهو غير صحيح قوله ' ثم هذا ' إشارة إلى يوم الجمعة قوله ' الذي فرض الله عليهم ' هو هكذا في رواية الحموي وفي رواية الأكثرين الذي فرض عليهم وقال ابن بطال ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم الجمعة ووكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة وجنح القاضي عياض إلى هذا ورشحه بقوله لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا وقال النووي يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا وقال بعضهم ويشهد له ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * قال أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه (قلت) كيف يشهد له هذا وهم أخذوا السبت لأنه جعل عليهم وإن كان أخذهم بعد اختلافهم فيه فخطئوهم في إرادتهم الجمعة ومع هذا استقروا على السبت الذي جعل عليهم وقيل يحتمل أن يكون فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ويدل عليه ما رواه ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بذلك ولفظه ' إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعله عليهم ' ولم يكن هذا ببعيد منهم لأنهم هم القائلون سمعنا وعصينا قوله ' فهدانا الله له ' يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الله قد نص لنا عليه والثاني أن تكون الهداية إليه بالاجتهاد ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين وقد ذكرناه في كتاب الجمعة فإن فيه أن أهل المدينة قد جمعوا قبل أن يقدمها رسول الله (فإن قلت) هذا مرسل (قلت) وله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث كعب بن مالك قال ' كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله المدينة أسعد بن زرارة ' قوله ' تبع ' بفتح التاء المثناة والباء الموحدة جمع تابع كالخدم جمع خادم قوله ' اليهود غدا ' فيه حذف تقديره يعظم اليهود غدا أو اليهود يعظمون غدا فعلى الأول ارتفاع اليهود بالفاعلية وعلى الثاني بالابتداء ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة فحينئذ انتصاب غدا على الظرفية وكذلك الكلام في قوله ' والنصارى بعد غد ' والمراد من قوله ' غدا السبت ' ومن قوله ' بعد غد ' الأحد وإنما اختار اليهود السبت لأنهم زعموا أنه يوم قد فرغ الله منه عن خلق الخلق فقالوا نحن نستريح فيه عن العمل ونشتغل فيه بالعبادة والشكر لله تعالى واختار النصارى يوم الأحد لأنهم قالوا أول يوم بدأ الله فيه بخلق الخليقة فهو أولى بالتعظيم فهدانا الله لليوم الذي فرضه وهو يوم الجمعة (ذكر ما يستفاد منه) في دليل على فرضية الجمعة وهو قوله ' فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له ' لأن التقدير فرض الله عليهم وعلينا فضلوا وهدينا ووقع في رواية مسلم عن أبي الزناد بلفظ ' كتب علينا ' وفيه أن الهداية والإضلال من الله تعالى كما هو قول أهل السنة * وفيه أن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة * وفيه دليل قوي على زيادة فضل هذه الأمة على الأمم السالفة * وفيه سقوط القياس مع وجود النص وذلك أن كلا منهما قال بالقياس مع وجود النص على قول التعيين فضلا * وفيه التفويض وترك الاختيار لأنهما اختارا فضلا ونحن علقنا الاختيار على من هو بيده فهدى وكفى * - 2 ((باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء)) أي: هذا باب في بيان فضل الغسل يوم الجمعة، ولهذه الترجمة ثلاثة أجزاء: الأول: فضل الغسل يوم الجمعة. الثاني: هل على الصبي شهود يوم الجمعة؟ أي: حضوره. الثالث: على النساء شهود يوم الجمعة؟ ثم إنه اقتصر على ذكر حكم الجزء الأول، وهو: الفضل، لأن معناه الترغيب فيه، والأدلة متفقة فيه، ولم يجزم بالحكم في الجزأين الأخيرين بل ذكره بالاستفهام. أما في حق الصبي فللإحتمال في دخولهم في عموم قوله: (إذا جاء أحدكم)، ولكنه خرج بقوله: (على كل محتلم)، وأما في حق النساء فلاحتمال دخولهن في العموم المذكور بطريق التبعية، ولكن عموم النهي في منعهن من حضور المساجد إلا بالليل يخرج حضورهن الجمعة، واعترض أبو عبد الملك على البخاري في الجزأين الأخيرين من الترجمة، لأنه ترجم بهما ثم أورد: (إذا
(١٦٤)