عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٦
قد جهر في بعض صلاة السر ولم يسجد لذلك، كان كذلك حكم الصلاة إذا جهر فيها لأنه لو اختلف الحكم في ذلك لبينه، ولا وجه لمذهب الكوفيين، إذ لا حجة لهم فيه من كتاب ولا سنة ولا نظر قلت: جهره صلى الله عليه وسلم بالقراءة في حديث أبي قتادة إنما كان لبيان جواز الجهر في القراءة السرية، فإن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سنة، ويحتمل أن الجهر بالآية كان بسبق اللسان للاستغراق في التدبر. قوله: ولا وجه لمذهب الكوفيين.. إلى آخره، كلام واه لأن حجة الكوفيين في هذا الباب مواظبته صلى الله عليه وسلم في صلاة النهار على الإسرار وعلى الجهر في صلاة الليل في الفرائض، وفي حديث إمامة جبريل، عليه الصلاة والسلام، روى أنس أنه أسر في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريين من العشاء، وأصل الحديث في سنن الدارقطني من حديث قتادة: عن أنس، رضي الله تعالى عنه، وروى أبو داود في (مراسيله) عن الحسن في صلاة النبي خلف جبريل، عليه السلام: أنه أسر في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريين من العشاء ونحو ذلك. وقال بعضهم موضع الحاجة من حديث أبي هريرة هنا قوله: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)، وكأنه أشار بإيراده عقيب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها وأن من لا يحسنها يقرأ ما تيسر عليه أو أن الإجمال الذي في حديث أبي هريرة يبينه تعين الفاتحة في حديث عبادة. انتهى. قلت: هذا كلام بعيد عن المقصود جدا تمجه الأسماع، فالبخاري وضع هذا الباب مترجما بترجمة لها ستة أجزاء، وأورد حديث أبي هريرة هذا لأجل الجزء السادس كما ذكرنا، فالوجه الأول الذي ذكره هذا القائل لا يناسب شيئا من الترجمة أصلا وهو كلام أجنبي. الوجه الثاني أبعد منه لأنه ذكر أن في حديث أبي هريرة في قوله: (ثم اقرأ ما تيسر معك) إجمالا، فليت شعري من قال: إن حد الإجمال يصدق على هذا؟ والمجمل هو ما خفي المراد منه لنفس اللفظ خفاء لا يدرك إلا ببيان من المجمل، سواء كان ذلك لتزاحم المعاني المتساوية الأقدام كالمشترك، أو لغرابة اللفظ كالهلوع، أو لانتقاله من معناه الظاهر إلى ما هو غير معلوم، كالصلاة والزكاة والربا، فانظر أيها المنصف النازح عن طريق الاعتساف هل يصدق ما قاله من دعوى الإجمال هنا؟ وهل ينطبق ما ذكره الأصوليون في حد المجمل على ما ذكره؟ فنسأل الله العصمة عن دعوى الأباطيل والوقوع في مهمة التضاليل.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: محمد بن بشار، بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة، وقد تكرر ذكره. الثاني: يحيى بن سعيد القطان. الثالث: عبيد الله بن عمر العمري. الرابع: سعيد المقبري. الخامس: أبوه أبو سعيد، واسمه كيسان الليثي الجندعي. السادس: أبو هريرة.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: سعيد عن أبيه. قال الدارقطني: خالف يحيى فيه جميع أصحاب عبيد الله لأن كلهم رووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة، ولم يذكروا أباه، وقال الترمذي: وروى ابن نمير هذا الحديث عن عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه: عن أبيه عن أبي هريرة، وقال أبو داود: حدثنا القعنبي أخبرنا أنس يعني ابن عياض، وأخبرنا ابن المثنى قال: حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله، وهذا لفظ ابن المثنى، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر الحديث، ثم قال: قال القعنبي: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، وقال الدارقطني: يحيى حافظ يعتمد ما رواه فالحديث صحيح.
: ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن مسدد وفيه وفي الاستئذان عن محمد بن بشار. وأخرجه مسلم وأبو داود جميعا في الصلاة عن أبي موسى. وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار به. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى به، وقال: خولف يحيى، فقيل: سعيد عن أبي هريرة، وأما رواية سعيد عن أبي هريرة فأخرجها البخاري عن إسحاق بن منصور عن عبيد الله بن نمير في الاستئذان، وأبي أسامة في الأيمان والنذور. وأخرجه مسلم في الصلاة عن محمد بن نمير عن أبيه به، وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وعبد الله بن نمير به. وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن أنس بن عياض به. وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن منصور عن عبد الله بن نمير به. وأخرجه ابن ماجة فيه بتمامه. وفي الأدب ببعضه عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة وللحديث المذكور طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ومحمد بن عجلان وداود بن قيس، كلهم عن علي بن أبي
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»