فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن زيد أبي سلمة قال سألت أنسا أكان رسول الله يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين قال إنك لتسألني عن شيء ما أحفظ أو ما سألني أحد قبلك قال الدارقطني إسناده صحيح (قلت) الجواب عن الأول أن الاعتماد على كثرة الرواة إنما تكون بعد صحة الدليل وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح بخلاف حديث الإخفاء فإنه صحيح صريح ثابت مخرجه في الصحيح والمسانيد المعروفة والسنن المشهورة مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة. وعن الثاني أن هذه الشهادة وإن ظهرت في صورة النفي فمعناه الإثبات على أن هذا مختلف فيه فعند البعض هما سواء وعند البعض النافي مقدم على المثبت وعند البعض على العكس. وعن الثالث أن إنكار أنس لا يقاوم ما ثبت عنه في الصحيح ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبر سنه وقد وقع مثل هذا كثيرا كما سئل يوما عن مسألة فقال عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا وكم ممن حدث ونسي ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها (فإن قلت) يجمع بين الأحاديث بأن يكون أنس لم يسمعه لبعده وأنه كان صبيا يومئذ (قلت) هذا مردود لأنه هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذ عشر سنين ومات وله عشرون سنة فكيف يتصور أن يكون صلى خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوما من الدهر يجهر هذا بعيد بل يستحيل ثم قد روى في زمن رسول الله فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر وعمر وكهل في زمن عثمان مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث وقال الحازمي في الناسخ والمنسوخ إن أحاديث الجهر وإن صحت فهي منسوخة بما أخبرنا وساق من طريق أبي داود حدثنا عباد بن موسى حدثنا عباد بن العوام عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير قال ' كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة قال وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن وقالوا أن محمدا يدعو له اليمامة فأمر رسول الله فأخفاها فما جهر بها حتى مات ' (فإن قلت) هذا مرسل (قلت) نعم ولكنه يتقوى بفعل الخلفاء الراشدين لأنهم كانوا أعرف بأواخر الأمور والعجب من صاحب التوضيح كيف يقول وردت أحاديث كثيرة في الجهر ولم يرد تصريح بالإسرار عن النبي إلا روايتان أحدهما عن ابن مغفل وهي ضعيفة والثانية عن أنس وهي معللة بما أوجب سقوط الاحتجاج بها وهل هذا إلا من عدم البصيرة وفرط شدة العصبية الباطلة وقد عرفت فيما مضى ظلم المتعصبين الذين عرفوا الحق وغمضوا أعينهم عنه وأعجب من هذا بعضهم من الذين يزعمون أن لهم يدا طولى في هذا الفن كيف يقول يتعين الأخذ بحديث من أثبتت الجهر فكيف يجترىء هذا ويصدر منه هذا القول الذي تمجه الأسماع فأي حديث صح في الجهر عنده حتى يقول هذا القول النوع الخامس في كونها من القرآن أم لا وفي أنها من الفاتحة أم لا ومن أول كل سورة أم لا والصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن لأن الأمة أجمعت على أن ما كان مكتوبا بين الدفتين بقلم الوحي فهو من القرآن والتسمية كذلك وينبني على هذا أن فرض القراءة في الصلاة يتأدى بها عند أبي حنيفة إذا قرأها على قصد القراءة دون الثناء عند بعض مشايخنا لأنها آية من القرآن وقال بعضهم لا يتأدى لأن في كونها آية تامة احتمال فإنه روي عن الأوزاعي أنه قال ما أنزل الله في القرآن بسم الله الرحمن الرحيم إلا في سورة النمل وحدها وليست بآية تامة وإنما الآية من قوله * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * فوقع الشك في كونها آية تامة فلا يجوز بالشك وكذلك يحرم قراءتها على الجنب والحائض والنفساء على قصد القرآن أما على قياس رواية الكرخي فظاهر لأن ما دون الآية يحرم عليهم وأما على رواية الطحاوي لاحتمال أنها آية تامة فيحرم عليهم احتياطا وهذا القول قول المحققين من أصحاب أبي حنيفة وهو قول ابن المبارك وداود وأتباعه وهو المنصوص عن أحمد وقالت طائفة ليست من القرآن إلا في سورة النمل وهو قول مالك وبعض الحنفية وبعض الحنابلة وقالت طائف أنها آية من كل سورة أو بعض آية كما هو المشهور عن الشافعي ومن وافقه وقد نقل عن الشافعي أنها ليست من أوائل السور غير الفاتحة وإنما يستفتح بها في السور تبركا بها وقال الطحاوي لما ثبت عن رسول الله ترك الجهر بالبسملة ثبت أنها ليست من القرآن ولو كانت من القرآن لوجب أن يجهر بها كما يجهر بالقرآن سواها ألا يرى أن بسم الله الرحمن الرحيم التي في النمل يجب أن يجهر بها كما يجهر بغيرها من القرآن لأنها
(٢٩١)