عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٢٥
في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد حتى رأينا فيء التلول فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة.
هذا الحديث مضى في الباب الذي قبله، غير أن هناك أخرجه عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة، وههنا عن آدم بن أبي إياس، وهو من أفراد البخاري عن شعبة بن الحجاج، وفي هذا من الزيادة ما ليست هناك فاعتبرها، وهذا مقيد بالسفر، وذلك مطلق. وأشار بذلك إلى أن المطلق محمول على المقيد لأن المراد من الإبراد التسهيل ودفع المشقة، فلا تفاوت بين السفر والحضر. قوله: (فأراد المؤذن) وهو: بلال، وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة، ومسدد عن أمية بن خالد، والترمذي من طريق أبي داود الطيالسي، وأبو عوانة من طريق حفص بن عمرو وهب بن جرير، والطحاوي والجوزقي من طريق وهب أيضا، كلهم عن شعبة التصريح بأنه بلال. قوله: (ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد) وفي رواية أبي داود عن أبي الوليد عن شعبة، (مرتين أو ثلاثا) وفي رواية البخاري عن مسلم بن إبراهيم في باب الأذان للمسافرين في هذا الحديث: (فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد، حتى ساوى الظل التلول). وقال الكرماني: فإن قلت: الإبراد إنما هو في الصلاة لا في الأذان؟ قلت: كانت عادتهم أنهم لا يتخلفون عند سماع الأذان عن الحضور إلى الجماعة، فالإبراد بالأذان إنما هو لغرض الإبراد بالصلاة، أو المراد بالتأذين الإقامة. قلت: يشهد للجواب الثاني رواية الترمذي حيث قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن عن زيد ابن وهب عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر، ومعه بلال، فأراد أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبرد، ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبرد في الظهر، قال: حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. فإن قلت: في (صحيح أبي عوانة) من طريق حفص بن عمر عن شعبة: (فأراد بلال أن يؤذن بالظهر)، وفيه بعد. قوله: (فيء التلول ثم أمره فأذن وأقام). قلت: التوفيق بينهما بأن إقامته ما كانت تتخلف عن الأذان، فرواية الترمذي: (فأراد أن يقيم)، يعني: بعد الأذان، ورواية أبي عوانة: (فأراد بلال أن يؤذن)، يعني: أن يؤذن ثم يقيم. وقال الترمذي في (جامعه) وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال الشافعي: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجدا ينتاب أهله
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»