من اليوم المذكور يوم القيامة، والدليل عليه أن عبد الله بن المبارك صرح به في روايته عن عبد الله بن عمر على ما يجيء في كتاب الحدود، وظل طوبى أو ظل الجنة إنما يكون بعد استقرارهم في الجنة، وهذا عام في حق كل من يدخلها، والحديث يدل على امتياز هؤلاء السبعة من بين الخلق، ولا يكون ذلك إلا يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين، ودنت منهم الشمس، ويشتد عليهم حرها ويأخذهم الغرق ولا ظل هناك لشيء إلا ظل العرش.
قوله: (الأمام العادل)، خبر مبتدأ محذوف تقديره: أحد السبعة: الأمام العادل. والكلام فيه من وجوه: الأول: إن قوله: (العادل) اسم فاعل من العدل، وقال أبو عمر: أكثر رواة (الموطأ) رووه... عادل، وقد رواه بعضهم؛ عدل، وهو المختار عند أهل اللغة. يقال: رجل عدل. ورجال عدل، وامرأة عدل. ويجوز أمام عادل على اسم الفاعل، يقال: عدل فهو عادل، كما يقال: ضرب فهو ضارب. وقال ابن الأثير: العدل في الأصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل، وهو أبلغ منه لأنه جعل المسمى نفسه عدلا. الثاني: معناه: الواضع كل شيء في موضعه. وقيل: المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، سواء كان في العقائد أو في الأعمال أو في الأخلاق. وقيل: الجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث، وهي: الحكمة والشجاعة والعفة التي هي أوساط القوى الثلاث، أعني: القوة العقلية والغضبية والشهوانية. وقيل: المطيع لأحكام الله تعالى. وقيل المراعي لحقوق الرعية وهو عام في كل من أليه نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام. الثالث: قدم الإمام العادل في ذكر السبعة لكثرة مصالحه وعموم نفعه، فالإمام العادل يصلح الله به أمورا عظيمة، ويقال: ليس أحد أقرب منزلة من الله تعالى بعد الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، من إمام عادل. وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما. ما حكم قوم بغير حق إلا سلط الله عليهم إماما جائرا.
قوله: (وشاب) أي: والثاني: من السبعة شاب نشأ في عبادة ربه، يقال: نشأ الصبي ينشأ نشأ فهو ناشيء إذا كبر وشب. يقال: نشأ وأنشأ إذا خرج وابتدا، وأنشأ يفعل كذا أي: ابتدأ يفعل، وفي رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان: (شاب نشأ بعبادة الله)، وهي رواية مسلم أيضا، وزاد حماد بن زيد من عبيد الله بن عمر: (حتى توفي على ذلك)، أخرجه الجوزقي. وفي حديث سلمان: (أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله). فإن قلت: لم خص الثاني من السبعة بالشباب، ولم يقل: رجل نشأ؟ قلت: لأن العبادة في الشباب أشد وأشق لكثرة الدواعي وغلبة الشهوات، وقوة البواعث على اتباع الهوى.
قوله: (ورجل قلبه) أي: الثالث: رجل قلبه معلق في المساجد، بفتح اللام. وقال الكرماني: أي: بالمساجد، وحروف الجر بعضها يقوم مقام بعض، ومعناه: شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها. قلت: رواية أحمد: (معلق بالمساجد) وفي رواية المستملي: (متعلق)، بزيادة التاء المثناة من فوق بعد الميم، ومعناه: شدة تعلق قلبه بالمساجد، وإن كان خارجا عنه، وتعلق قلبه بالمساجد كناية عن انتظاره أوقات الصلوات فلا يصلي صلاة ويخرج منه إلا وهو منتظر وقت صلاة أخرى حتى يصلي فيه، وهذا يستلزم صلاته أيضا بالجماعة.
قوله: (ورجلان تحابا) أي: الرابع: رجلان تحابا، بتشديد الباء الموحدة، وأصله تحاببا، فلما اجتمع الحرفان المتماثلان أسكن الأول منهما وأدرج في الثاني وهو حد الإدغام، وهو من باب: التفاعل، وقال الكرماني فإن قلت: التفاعل هو الإظهار إذ أصل الفعل حاصل له وهو منتف ولا يريد حصوله نحو تجاهلت؟ قلت: قد يجيء لغير ذلك نحو: باعدته فتباعد. انتهى. قلت: التحقيق في هذا أن: تفاعل، لمشاركة أمرين أو أكثر في أصله يعني في مصدر فعله الثلاثي صريحا، نحو: تضارب زيد وعمرو، فلذلك نقص مفعولا عن فاعل، وحاصله أن وضع فاعل لنسبة الفعل إلى الفاعل متعلقا بغيره، مع أن الغير فعل مثل ذلك ووضع: تفاعل، لنسبته إلى المشتركين في شيء من غير قصد إلى تعلق له، فلذلك جاء الأول زائدا على الثاني بمفعول أبدا، فإذا كان الأمر كذلك كان المقام يقتضي أن يقال: ورجلان تحاببا، من باب: المفاعلة، لا من باب: التفاعل، ليدل على أن الغير فعل مثل ما فعل هو، والجواب: عنه أن تفاعل، قد يجيء للمطاوعة وهي كونها دالة على معنى حصل عن تعلق فعل آخر متعد كقولك: باعدته فتباعد، فقولك: تباعد، عبارة عن معنى حصل عن تعلق فعل متعد، وههنا كذلك، فإن تحابا عبارة عن معنى حصل عن تعلق حابب، والجواب الذي قاله الكرماني غير مستقيم، لأن معنى ذلك هو الدلالة على أن الفاعل أظهر أن المعنى الذي اشتق منه: تفاعل، حصل له، مع أنه ليس في الحقيقة كذلك. فمعنى: تجاهل زيد أنه أظهر الجهل من نفسه، وليس عليه في الحقيقة، وليس المعنى ههنا أنه أظهر المحبة من نفسه، وليس عليه في الحقيقة. فافهم، فإنه موضع دقيق. فإن قلت: قال: رجلان، فيكون المذكور ثمانية لا سبعة؟