شيئا من الثياب النفيسة لبسها، وتكرر أنه أهديت إليه عمائم غالية فيلبسها ويخرج بها إلى الزيارة، فإذا طلب شيئا منها أحد السائلين خرق منها قطعة لأجله، وهكذا، حتى لا يبقى على رأسه عند عودته لبيته من تلك العمامة النفيسة سوى ذراعا واحدا! (1).
ومن صبره على القناعة عند الضيق كان يلبس ما يصل إليه من طريق الحلال ولو كان رديا أو رثا، حتى حكي أنه لرثاثة أثوابه أصابه بعض زوار النجف في الطريق فلم يعرفه، فطلب منه أن يغسل ثياب سفره وقال: أريد أن تزيح عنها درن الطريق وتجيئني بها. فتقبل منه ذلك وباشر بنفسه قصارتها وتبييضها إلى أن فرغ منها فجاء بها إلى ذلك الرجل ليسلمها إياه، فاتفق أن عرفه الرجل في هذه المرة وجعل الناس يوبخونه على ذلك العمل وهو يمنعهم عن الملامة ويقول: إن حقوق إخواننا المؤمنين أكثر من أن يقابل بها غسل الثياب!.
ولعل العمامة والثياب النفيسة التي كانت تهدى إليه كانت من الشاه عباس الصفوي فكان لا يرد من أحد شيئا حتى من الشاه الصفوي، بل يلبسها بالتماسه، ولكنه بذلك يبدلها للسائلين بالتماسهم، فكأن يده كانت اليد المحللة بين السلطان والناس.
قال الخونساري في " روضات الجنات ": كان الشاه عباس الصفوي يبالغ في تعظيمه وتبجيله ويرسل إليه بكل جميل، وهو في ذلك يستدعي من جنابه أن يتوجه إلى إيران، ويتحاشى الشيخ في جوابه عن قبول ذلك، ويؤكد على رضاه بما أنعم الله عليه من التوفيق للمقام في النجف الأشرف (2) ولعل ذلك أيضا كان من تقدسه واحتياطاته، وإن كان لم يحترز عن قبول هداياه.
* * *