عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٨٨
أبي حنيفة ومحمد، وقال مالك وزفر: لا شيء له عليها. وفي (الأحكام) لابن بزيزة: وقال الشافعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن: إن كرهت نكاحه غرمت له قيمتها ومضى النكاح، فإن كانت معسرة استسعيت في ذلك. وقال مالك وزفر: إن كرهت فهي حرة ولا شيء له عليها إلا أن يقول: لا أعتق إلا على هذا الشرط، فإن كرهت لم تعتق لأنه من باب الشرط والمشروط، ثم إن الطحاوي استدل على الخصوصية بقوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت) * (الأحزاب: 05) الآية وجه الاستدلال أن ا تعالى لما أباح لنبيه أن يتزوج بغير صداق كان له أن يتزوج على العتاق الذي ليس بصداق، ومما يؤيد ذلك أن النبي أخذ جويرية بنت الحارث في غزوة بني المصطلق فأعتقها وتزوجها. وجعل عتقها صداقها، رواه الطحاوي من حديث ابن عمر، ثم روي عن عائشة كيف كان عتاقه جويرية التي تزوجها عليه وجعله صداقها. قالت: لما أصاب رسول الله سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له، فكاتبت على نفسها. قالت: وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله لتستعينه في كتابتها، فوا ما هي إلا إن رأيتها على باب الحجرة، وعرفت أنه سيرى منها مثل ما رأيت، فقالت: يا رسول ا أنا جويرية. بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من الأمر ما لم يخف عليك، فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، أو ابن عم له، فكاتبته، فجئت رسول الله أستعينه على كتابتي. فقال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول ا؟ قال أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟ قالت: نعم. قال: فقد فعلت.
وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله تزوج جويرية بنت الحارث، فقالوا: صهر رسول ا، فأرسلوا ما في أيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة من أهل بيت من بني المصطلق، فلا نعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها. ورواه أيضا أبو داود، وفيه أيضا حكم يختص بالنبي دون غيره، وهو أن يؤدي كتابة مكاتبة غيره لتعتق بذلك، ويكون عتقه مهرها لتكون زوجته، فهذا لا يجوز: لأحد غير النبي، وهذا إذا كان جائزا للنبي فجعله عتق الذي تولى عتقه هو مهرا لمن أعتقه أولى وأحرى أن يجوز. وقال البيهقي: قال القاضي البرني: قال لي يحيى بن أكتم: هذا كان للنبي خاصة، وكذا روي عن الشافعي أنه حمله على التخصيص، وموضع التخصيص أنه أعتقها مطلقا ثم تزوجها على غير مهر.
قوله: (حلوة)، بالضم من: الحلاوة. قوله: (ملاحة)، بضم الميم وتشديد اللام، معناه: شديدة الملاحة، وهو من أبنية المبالغة. وقال الزمخشري: وكانت امرأة ملاحة، بتخفيف اللام، أي: ذات ملاحة، وفعال مبالغة في فعيل، نحو كريم وكرام، وكبير وكبار، وفعال بالتشديد أبلغ منه، وقد ناقش ابن حزم في هذا الموضع مناقشة عظيمة، وخلاصة ما ذكره أنه قال: دعوى الخصوصية بالنبي في هذا الموضع كذب، والأحاديث التي ذكرت ههنا غير صحيحة، وقد ردينا عليه في جميع ذلك في شرحنا (لمعاني الآثار) للطحاوي، فمن أراد الوقوف عليه فعليه بالمراجعة إليه. ومنها: أن الزفاف في الليل، وقد جاء أنه دخل عليها نهارا ففيه جواز الأمرين. ومنها: أن فيه دلالة على مطلوبية الوليمة للعرس، وأنها بعد الدخول، وقال الثوري: ويجوز قبله وبعده، والمشهور عندنا أنها سنة، وقيل: واجبة، وعندنا إجابة الدعوة سنة سواء كانت وليمة أو غيرها، وبه قال أحمد ومالك في رواية. وقال الشافعي: إجابة وليمة العرس واجبة، وغيرها مستحبة، وبه قال مالك في رواية، والوليمة: عبارة عن الطعام المتخذ للعرس، مشتقة من: الولم، وهو الجمع، لأن الزوجين يجتمعان فتكون الوليمة خاصة بطعام العرس، لأنه طعام الزفاف، والوكيرة: طعام البناء، والخرس طعام الولادة، وما تطعمه النفساء نفسها خرسة، والإعذار طعام الختان، والنقيعة طعام القادم من سفره، وكل طعام صنع لدعوة مأدبة ومأدبة جميعا، والدعوة الخاصة: التقري، والعامة: الجفلى والأجفلى.
ومنها: أن فيه إدلال الكبير لأصحابه وطلب طعامهم. في نحو هذا، ويستحب لأصحاب الزوج وجيرانه مساعدته في الوليمة بطعام من عندهم. ومنها: أن فيه الوليمة تحصل بأي طعام كان، ولا تتوقف على شاة، والسنة تقوم بغير لحم، وا سبحانه وتعالى أعلم.
31 ((باب في كم تصلي المرأة من الثياب)) باب منون خبر مبتدأ محذوف أي: هذا باب، ولفظ: كم، لها الصدارة سواء كانت استفهامية أو خبرية، ولم تبطل صدارتها ههنا لأن الجار والمجرور في حكم كلمة واحدة، ومميز: كم، محذوف تقديره: كم ثوبا.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»