عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٨٤
رواته ما بين كوفي وبصري وأصل الدورقي من الكوفة وليس هو من بلد دورق، وإنما كان يلبس قلنسوة دورقية فنسب إليها.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرج البخاري حديث: (أعتق صفية وجعل عتقها صداقها) في النكاح عن قتيبة من حديث ثابت وشعيب بن الحجاب، كلاهما عن أنس به وعن مسدد عن ثابت وعبد العزيز، كلاهما عن أنس به في حديث خيبر، وحديث الباب أخرجه مسلم أيضا في النكاح، وفي المغازي عن زهير بن حرب وأخرجه أبو داود في الخراج عن يعقوب بن إبراهيم وأخرجه النسائي في النكاح، وفي الوليمة عن زياد بن أيوب، وفي التفسير عن إسحاق بن إبراهيم.
ذكر معانيه وإعرابه: قوله: (غزا خيبر)، يعني غزا بلدة تسمى خيبر، وخبير بلغة اليهود: حصن، وقيل: أول ما سكن فيها رجل من بني إسرائيل يسمى خيبر فسميت به، وهي بلد عترة في جهة الشمال والشرق من المدينة النبوي على ستة مراحل، وكان لها نخيل كثير، وكانت في صدر الإسلام دارا لبني قريظة والنضير، وكانت غزوة خيبر في جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة، قاله ابن سعد. وقال ابن إسحاق: أقام رسول ا، بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، وخرج في بقيته غازيا إلى خيبر، ولم يبق من السنة السادسة إلا شهر وأيام، وهو غير منصرف العلمية والتأنيث. قوله: (بغلس)، بفتح الغين واللام: وهو ظلمة آخر الليل. قوله: (فركب نبي ا) أي: ركب مركوبه، وعن أنس بن مالك، قال: (كان رسول ا، يوم قريظة والنضير على حمر، ويوم خيبر عل حمار مخطوم برسن ليف وتحته إكاف من ليف). رواه البيهقي والترمذي وقال: وهو ضعيف، وقال ابن كثير: والذي ثبت في (الصحيح) عند البخاري عن أنس: (أن رسول ا، أجري في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه). فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس لا على حمار، ولعل هذا الحديث، إن كان صحيحا، فهو محمول على أنه ركبه في بعض الأيام وهو محاصرها. قوله: (وركب أبو طلحة) هو: زيد بن سهل الأنصاري، شهد العقبة والمشاهد كلها وهو أحد النقباء، روي له اثنان وتسعون حديثا، روى له البخاري منها ثلاثة، مات سنة اثنتين أو أربع وثلاثين بالمدينة أو بالشام أو في البحر، وكان أنس ربيبه. قوله: (وأنا رديف أبي طلحة)، جملة اسمية وقعت حالا. قوله: (فأجرى)، على وزن أفعل، من الإجراء، وفاعله النبي، والمفعول محذوف أي: أجرى مركوبه. قوله: (في زقاق خيبر)، بضم الزاي وبالقافين: وهو السكة، يذكر ويؤنث، والجمع: أزقة. وزقان، بضم الزاي وتشديد القاف وبالنون. وفي (الصحاح): قال الأخفش: أهل الحجاز يؤنثون الطريق والصراط والسبيل والسوق والزقاق، وبنو تميم يذكرون هذا كله، والجمع: الزقان. والأزقة، مثل: حوار وحوران وأحورة. قوله: (عن فخذه) يتعلق بقوله: (حسر) على صيغة المجهول، والدليل على صحة هذا ما وقع في رواية أحمد في (مسنده) من رواية إسماعيل بن علية: (فانحسر)، وكذا وقع في رواية مسلم، وكذا رواه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم شيخ البخاري في هذا الموضع، وروى الإسماعيلي هذا الحديث عن يعقوب بن إبراهيم، ولفظه: (فأجرى نبي ا، في زقاق خيبر إذ خر الإزار)، ولا شك أن الخرور هنا بمعنى الوقوع، فيكون لازما، وكذلك الانحسار في رواية مسلم، وهذا هو الأصوب، لأنه لم يكشف إزاره، عن فخذه قصدا، وإنما انكشف عن فخذه لأجل الزحام، أو كان ذلك من قوة إجرائه، وقال بعضهم: الصواب أنه عند البخاري بفتحتين يعني؛ أن حسر، على صيغة الفاعل، ثم استدل عليه بقول أنس في أوائل الباب: (حسر النبي عن فخذه) قلت: اللائق بحاله الكريمة أن لا ينسب إليه كشف فخذه قصدا مع ثبوت قوله: (الفخذ عورة)، على ما تقدم، وقال هذا القائل أيضا: لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على خلافه.
قلت: منع الملازمة ممنوع، ولئن سلمنا فيحتمل أن أنسا لما رأى فخذ رسول الله مكشوفا ظن أنه كشفه، فأسند الفعل إليه، وفي نفس الأمر لم يكن ذلك إلا من أجل الزحام أو من قوة الجري على ما ذكرناه. وقال الكرماني: وفي بعضها، أي: وفي بعض النسخ أو في بعض الرواية: على فخذه، أي: الإزار الكائن على فخذه، فلا يتعلق بحسر، إلا أن يقال: حروف الجر يقام بعضها مقام بعض. قلت: إن صحت هذه الرواية يكون متعلق: على، محذوفا كما قاله، لأنه
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»