حواء بنت زيد بن السكن أخت أسماء بنت زيد بن السكن.
فإن قلت: كان ينبغي أن يكون الإسفار واجبا لمقتضى الأوامر فيه قلت: الأمر إنما يدل على الوجوب إذا كان مطلقا مجردا عن القرائن الصارفة إلى غيره، وهذه الأوامر ليست كذلك فلا تدل إلا على الاستحباب. فإن قلت: قد يؤول الاستحباب في هذه الأحاديث بظهور الفجر، وقد قال الترمذي: وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: معنى الإسفار أن يصبح الفجر، ولا يشك فيه، ولم يروا أن الإسفار تأخير الصلاة. قلت: هذا التأويل غير صحيح، فإن الغلس الذي يقولون به هو اختلاط ظلام الليل بنور النهار، كما ذكره أهل اللغة، وقبل ظهور الفجر لا تصح صلاة الصبح، فثبت أن المراد بالإسفار إنما هو التنوير، وهو التأخير عن الغلس وزوال الظلمة، وأيضا فقوله: (أعظم للأجر) يقضي حصول الأجر في الصلاة بالغلس، فلو كان الإسفار هو وضوح الفجر وظهوره لم يكن في وقت الغلس أجر، لخروجه عن الوقت، وأيضا يبطل تأويلهم ذلك ما رواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في مسانيدهم، والطبراني في (معجمه) من حديث رافع بن خديج، قال: قال رسول الله لبلال: (يا بلال نور صلاة الصبح حتى يبصر القوم مواقع نبلهم من الإسفار). وحديث آخر يبطل تأويلهم رواه الإمام أبو محمد القاسم بن ثابت السرقسطي في كتابه (غريب الحديث): حدثنا موسى بن هارون، حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت بيانا أخبرنا سعيد، قال: سمعت أنسا يقول: (كان رسول الله يصلي الصبح حين يفسح البصر). انتهى. يقال: فسح البصر وانفسح إذا رأى الشيء عن بعد، يعني به إسفار الصبح. فإن قلت: قد قيل: إن الأمر بالإسفار إنما جاء في الليالي المقمرة، لأن الصبح لا يستبين فيها جدا فأمرهم بزيادة التبين استظهارا باليقين في الصلاة. قلت: هذا تخصيص بلا مخصص، وهو باطل، ويرده أيضا ما أخرجه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي: ما اجتمع أصحاب محمد على شيء ما اجتمعوا على التنوير بالفجر، وأخرجه الطحاوي في (شرح الآثار) بسند صحيح، ثم قال: ولا يصح أن يجتمعوا على خلاف ما كان رسول ا. فإن قلت: قد قال ابن حزم: خبر الأمر بالإسفار صحيح، إلا أنه لا حجة لكم فيه إذا أضيف إلى الثابت من فعله في التغليس، حتى إنه لينصرف والنساء لا يعرفن. قلت: الثابت من فعله في التغليس لا يدل على الأفضلية، لأنه يجوز أن يكون غيره أفضل منه، وإنما فعل ذلك للتوسعة على أمته، بخلاف الخبر الذي فيه الأمر، لأن قوله: (أعظم للأجر) أفعل التفضيل، فيقتضي أجرين: أحدهما أكمل من الآخر، لأن صيغة: أفعل، تقتضي المشاركة في الأصل مع رجحان أحد الطرفين، فحينئذ يقتضي هذا الكلام حصول الأجر في الصلاة بالغلس، ولكن حصوله في الإسفار أعظم وأكمل منه، فلو كان الإسفار لأجل تقصي طلوع الفجر لم يكن في وقت الغلس أجر لخروجه عن الوقت.
فإن قلت: روى أبو داود من حديث ابن مسعود: (أنه صلى الصبح بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات، لم يعد إلى أن يسفر). ورواه ابن حبان أيضا في (صحيحه)، كلاهما من حديث أسامة بن زيد الليثي. قلت: يرد هذا ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن زيد عن ابن مسعود، قال: (ما رأيت رسول ا، صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها). انتهى. قالت العلماء: يعني: وقتها المعتاد في كل يوم، لا أنه صلاها قبل الفجر، وإنما غلس بها جدا، ويوضحه رواية البخاري: (والفجر حين بزغ)، وهذا دليل على أنه كان يسفر بالفجر دائما، وقل ما صلاها بغلس، وبه استدل الشيخ في (الإمام) لأصحابنا. على أن أسامة بن زيد قد تكلم فيه، فقال أحمد: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي والدارقطني: ليس بالقوي.
فإن قلت: قد قال البيهقي، رجح الشافعي حديث عائشة بأنه أشبه بكتاب ا تعالى، لأن ا تعالى، يقول: * (حافظوا على الصلوات) * (البقرة: 832) فإذا دخل الوقت فأولى المصلين بالمحافظة المقدم للصلاة، وإن رسول الله لا يأمر بأن يصلي صلاة في وقت يصليها هو في غيره، وهذا أشبه بسنن رسول ا. قلت: المراد من المحافظة هو المداومة على إقامة الصلوات في أوقاتها، وليس فيها دليل على أن أول الوقت أفضل، بل الآية دليل لنا. لأن الذي يسفر بالفجر يترقب الإسفار في أول الوقت، فيكون هو المحافظ المداوم على الصلاة، ولأنه ربما تقع صلاته في التغليس قبل الفجر، فلا يكون محافظا للصلاة في وقتها. فإن قلت: جاء في الحديث: