عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٧٦
(وأن يحتبي الرجل) أي: ونهي أيضا عن أن يحتبي الرجل، وكلمة: إن مصدرية والتقدير: وعن احتباء الرجل في ثوب واحد، والاحتباء أن يقعد الإنسان على أليتيه وينصب ساقيه ويحتبي عليهما بثوب أو نحوه أو بيده، واسم هذه القعدة تسمى: الحبوة، بضم الحاء وكسرها، وكان هذا الاحتباء عادة العرب في أنديتهم ومجالسهم، وإن انكشف معه شيء من عورته فهو حرام. وقال الخطابي: الاحتباء هو أن يحتبي الرجل بالثوب ورجلاه متجافيتان عن بطنه، فيبقى هناك، إذا لم يكن الثوب واسعا قد أسبل شيئا منه على فرجه، فرجة تبدو منها عورته. قال: وهو منهي عنه إذا كان كاشفا عن فرجه. وقال في موضع آخر: الاحتباء أن يجمع ظهره ورجليه بثوب.
ذكر ما يستنبط منه وهو حكمان: الأول: اشتمال الصماء، وقد نهى عنه رسول ا، قالوا: على تفسير أهل اللغة: اشتمال الصماء إنما يكره لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها أو غير ذلك، فيعسر أو يتعذر عليه إخراج يده، فيلحقه الضرر. وعلى تفسير الفقهاء: يحرم الاشتمال المذكور إن انكشف به بعض العورة، وإلا فيكره. والثاني: النهي عن الاحتباء الذي فيه كشف العورة، وهو حرام مطلقا، سواء كان في الصلاة أو خارجها.
86343 ح دثنا قبيصة بن عقبة قال حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال نهى النبي عن بيعتين عن اللماس والنباذ وأن يشتمل الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد..
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: قبيصة، بفتح القاف: بن عقبة، بضم العين وسكون القاف. الثاني: سفيان الثوري. الثالث: أبو الزناد، بكسر الزاي وبالنون: عبد ا بن ذكوان. الرابع: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج. الخامس: أبو هريرة.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول بالحكاية. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، وأبو الزناد راوية الأعرج، وعن البخاري أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر، وأصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وفيه: أن رواته ما بين كوفي ومدني.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في مواضع: هنا عن قبيصة، وفي الصلاة عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة وعن محمد عن عبدة بن سليمان، وفي اللباس عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن الثقفي، ثلاثتهم عن عبيد ا بن عمر عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم بهذا الطريق عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد ا بن نمير وأبي أسامة، وعن محمد بن عبد ا بن نمير عن أبيه، وعن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي، ثلاثتهم عن عبيد ا بن عمر، وأخرجه أيضا في البيوع عن أبي كريب وابن أبي عمر، كلاهما عن وكيع عن سفيان به. وأخرجه الترمذي فيه عن أبي كريب ومحمود بن غيلان. وأخرجه النسائي أيضا فيه من طريق حفص بن عاصم. وأخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة به منقطعا في الصلاة وفي التجارات وفي اللباس.
ذكر معناه قوله: (عن بيعتين) تثنية: بيعة، بفتح الباء الموحدة وكسرها، والفرق بينهما أن؛ الفعلة، بالفتح، للمرة وبالكسر للحالة والهيئة. قوله: (عن اللماس) بكسر اللام، وهو مصدر من: لامس، من باب: فاعل. وقد علم أن مصدره يأتي على: مفاعلة، مثل: ملامسة. وعلى: فعال، مثل: لماس. وكذلك الكلام في (النباذ)، بكسر النون وبالذال المعجمة، يأتي من بابه: فعال، مثل: نباذ، و: مفاعلة، مثل: منابذة. وفسر: اللماس، في كتاب البيع بأنه لمس الثوب بلا نظر إليه، والنباذ: بأن الرجل يطرح ثوبه بالبيع قبل أن يقلبه أو ينظر إليه. وقال النووي: إن لأصحابنا في الملامسة تأويلات. أحدها: أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة، فيلمسه المستام، فيقول صاحبه: بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته. الثاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعا، فيقول إذا لمسته فهو مبيع لك. الثالث: أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس.
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»