عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٤٧
صفة السماء في محل النصب، بمعنى أنه: لا يظهر النصب. قوله: (مرحبا) منصوب بأنه مفعول مطلق، أي: أصبت سعة لا ضيقا، والنصب فيه كما في قولهم: أهلا وسهلا. قوله: (فإذا رجل قاعد). ويروى: إذا، بدون؛ الفاء، كلمة: إذا، ههنا للمفاجأة، وتختص بالجمل الإسمية، ولا تحتاج إلى الجواب، وهي حرف عند الأخفش، وظرف مكان عند المبرد، وظرف زمان عند الزجاج.
قوله: (قبل شماله)، كلام إضافي منصوب بقوله؛ نظر، وهو بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى الجهة. قوله: (بإدريس) الباء، فيه، وفي قوله: (بالنبي) يتعلقان كلاهما بقوله: مر فالأولى للمصاحبة، والثانية للإلصاق ويندفع بهذا سؤال من يقول: لا يجوز تعلق حرفين من جنس واحد بمتعلق واحد لأنهما ليسا من جنس واحد. قوله: (ثم مررت بموسى عليه الصلاة والسلام)، هذا قول النبي، وفيه حذف تقديره؛ قال النبي: ثم مررت بموسى، لأنه قال أولا: فلما مر جبريل، فما وجه قوله بعد هذا: (ثم مررت)؟ فالذي قدرناه هو وجهه، وفيه وجه آخر، وهو أن يكون الأول نقلا بالمعنى، والثاني يكون نقلا باللفظ بعينه. قوله: (حتى ظهرت لمستوى) اللام: فيه للتعليل، أي: علوت لأجل استعلاء مستوى، أو لأجل رؤيته، أو يكون بمعنى: إلى، كما في قوله تعالى: * (أوحى لها) * (الزلزلة: 5) أي: إليها، ويجوز أن يكون متعلقا بالمصدر أي: ظهرت ظهور المتسوى. قلت: إذا كان: اللام، بمعنى: إلى، يكون المعنى: إني أقمت مقاما بلغت فيه من رفعة المحل إلى حيث اطلعت على الكوائن، وظهر لي ما يراد من أمر ا تعالى وتدبيره في خلقه، وهذا هو المنتهى الذي لا يقدر أحد عليه. ويقال: لام، الغرض و: إلى، الغاية يلتقيان في المعنى. قلت: قال الزمخشري، في قوله تعالى: * (كل يجري إلى أجل مسمى) * (:) فإن قلت: يجري لأجل مسمى، ويجري إلى أجل مسمى، هو من تعاقب الحرفية. قلت: كلا، ولن يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع ضيق العطن، ولكن المعنيين، أعني: الانتهاء والاختصاص، كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض، لأن قولك: يجري إلى أجل مسمى معناه: يبلغه وينتهي إليه، وقولك: يجري لأجل مسمى، يريد: يجري لإدراك أجل مسمى. قوله: (هن خمس) الضمير فيه مبهم يفسره الخبر، كقوله:
* هي النفس ما حملتها تتحمل * قوله: (فإذا فيها). كلمة: إذا ههنا وإلى في قوله: (وإذا ترابها) للمفاجأة.
ذكر استنباط الأحكام والفوائد: منها: أن الذي يفهم من ترتيب البخاري ههنا أن الإسراء والمعراج واحد، لأنه قال أولا: كيف فرضت الصلاة في الإسراء، ثم أورد الحديث، وفيه: (ثم عرج بي إلى السماء)، وظاهر إيراده في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يقتضي أن الإسراء غير المعراج، فإنه ترجم للإسراء ترجمة، وأخرج فيها حديثا، ثم ترجم للمعراج ترجمة وأخرج فيها حديثا. ومنها: أن قوله: (فنزل جبريل)، وقوله: (فعرج بي إلى السماء) يدلان على رسالة النبي وعلى خصوصيته بأمور لم يعطها غيره. ومنها: أن جبريل عليه الصلاة والسلام، هو الذي كان ينزل على النبي من عند ا وبأمره. ومنها: أن بعضهم استدل بقوله: (ثم أخذ بيدي) على أن المعراج وقع غير مرة، لكون، الإسراء إلى بيت المقدس لم يذكر ههنا. وقال بعضهم: يمكن أن يقال: هو من باب اختصار الراوي. قلت: هذا غير مقنع، لأن الراوي لا يختصر ما سمعه عمدا. ومنها: أن فيه إثبات الاستئذان وبيان الأدب فيما إذا استأذن أحد بدق الباب ونحوه، فإذا قيل له: من أنت؟ يقول: زيد، مثلا. ولا يقول: أنا، إذ لا فائدة فيه لبقاء الإبهام، كذا قالوا: قلت: ولا يقتصر على قوله: زيد، مثلا، لأن المسمى: بزيد، قد يكون كثيرا فيشتبه عليه، بل يذكر الشيء الذي هو مشهور بين الناس به. ومنها: أن رسول الرجل يقول مقام آذنه، لأن الخازن لم يتوقف على الفتح له على الوحي إليه بذلك، بل عمل بلازم الإرسال إليه. ومنها: أنه علم منه أن للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها. ومنها: أنه علم أن رسول الله من نسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (والابن الصالح)، بخلاف غيره من الأنبياء المذكورين فيه، فإنهم قالوا: الأخ الصالح. ومنها: جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتن. ومنها: أن فيه شفقة الوالد على ولده وسروره بحسن حاله. ومنها: ما قالت الشافعية: إن فيه عدم وجوب صلاة الوتر حيث عين الخمس. قلنا؛ نحن أيضا نقول: لم يجب الوتر في ذلك، وإنما كان وجوبه بعد ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (إن ا زادكم صلاة). الحديث، فلذلك انحطت درجته عن الفرض، لأن ثبوت الفرض الخمس بدليل قطعي ومنها أن في ظاهره أن أرواح بني آدمر من أهل الجنة والنار في درجته عن الفرض لأن ثبوت الفرض الخمس بدليل قطعي. ومنها: أن الجنة والنار مخلوقتان. قال ابن بطال: وفيه: دليل أن الجنة في السماء. ومنها: أنه قد استدل به بعضهم على جواز تحلية المصحف. وغيره بالذهب، وهذا استدلال بعيد، لأن ذلك كان فعل الملائكة واستعمالهم،
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»