البخاري، فيحتمل أن يقال: في كل من رواية الباب والرواية الأخرى اختصار، أو يقال: ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على الأمة، وبالعكس، إلا ما يستثنى من خصائصه. قوله: (فارجع إلى ربك)، أي: الموضع الذي ناجيت ربك أولا. قوله: (فراجعت)، هذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: (فراجعني)، والمعنى واحد. قوله: (فوضع شطرها)، وفي رواية مالك بن صعصعة؛ (فوضع عني عشرا)، ومثله لشريك، وفي رواية ثابت: (فحط عني خمسا). وقال الكرماني: الشطر: النصف، ففي المراجعة الأولى وضع خمس وعشرون، وفي الثانية ثلاثة عشر، يعني بتكميل المتكرر، إذ لا معنى لوضع بعض صلاة، وفي الثالثة: سبعة. قلت: هذا كلام لا يتجه، وهو يخالف ظاهر عبارة حديث الباب، لأن المراجعة المذكورة فيه ثلاثة مرات، ولم يحصل الوضع إلا في المرتين الأوليين، وفي المرة الثالثة، قال: (هن خمس وهن خمسون)، فلم يحصل الوضع ههنا، ويلزم من كلامه أن تكون المراجعة أربع مرات. في الأولى الشطر، وفي الثانية ثلاثة عشر، وفي الثالثة سبعة، وفي الرابعة قال: (هن خمس وهن خمسون)، وليس الأمر كذلك. قال ابن المنير: ذكر الشطر أعم من كونه وضع دفعة واحدة، وقال بعضهم: قلت: وكذا العشر في دفعتين، والشطر في خمس دفعات. انتهى. قلت: على هذا يكون سبع دفعات، في المراجعة الأولى دفعتان وهما عشرون كل دفعة عشرة، وفي الثانية تكون خمسه دفعات كل دفعة خمس فتصير خمسة وعشرين، ولكن هل كل دفعة في مراجعة فتصير سبع مراجعات؟ أو دفعتان في المراجعة الأولى وخمس دفعات في الثانية؟ فلكل منهما وجه بالاحتمال، ولكن ظواهر الروايات لا تساعد شيئا من ذلك إلا بالتأويل، وهو أن يكون المراد من الشطر البعض، وقد جاء في كلام العرب ذلك، وقد جاء بمعنى الجهة أيضا كما في قوله تعالى: * (فولوا وجوهكم شطره) * (البقرة: 441) أي: جهته، فإذا كان كذلك فيكون المراد من الشطر في المراجعة الأولى العشر مرتين، وفي الثانية الخمس خمس مرات، فتكون الجملة خمسا وأربعين. إلى أن قال: (هن خمس)، يعني خمس صلوات في العمل، (وهي خمسون) في الثواب، لأن لكل حسنة عشر أمثالها، كما في النص. وكان الفرض في الأول خمسين ثم إن ا تعالى رحم عباده وجعله بخمس تخفيفا لنا ورحمة علينا، ثم هل هذا نسخ أم لا؟ يأتي الكلام فيه عن قريب إن شاء ا تعالى. فإن قلت: إذا كان الفرض أولا هو الخمسين، كيف جاز وقوع التردد والمراجعة بين النبي وبين موسى كليم ا عليه الصلاة والسلام؟ قلت: كانا يعرفان أن الأول غير واجب قطعا، ولو كان واجبا قطعا لما كان يقبل التخفيف، ولا كان النبيان العظيمان يفعلان ذلك.
قوله: (هي خمس وهن خمسون)، وفي رواية: (هن خمس وهي خمسون)، يعني خمس من جهة العدد في الفعل، وخمسون باعتبار الثواب، كما ذكرناه الآن. قوله: (لا يبدل القول لدي) أي: قال تعالى: لا يبدل القول لدي. قوله: (ارجع إلى ربك)، ويروى: (راجع ربك). قوله: (قلت) ويروى (فقلت). قوله: (استحييت من ربي) وجه استحيائه من ربه أنه لو سأل الرفع بعد الخمس لكان كأنه قد سأل رفع الخمس بعينها، فلذلك استحيي من أن يراجع بعد ذلك، ولا سيما سمع من ربه: لا يبدل القول لدي بعد قوله: (هن خمس وهن خمسون) وقال بعضهم: يحتمل أن يكون سبب الاستحياء أن العشرة آخر جمع القلة، وأول جمع الكثرة، فخشي أن يدخل في الإلحاح في السؤال. قلت: هذا ليس بجواب في رواية هذا الباب، وأما في رواية مالك بن صعصعة وشريك (فوضع عني عشرا) ففيه إلحاح، لأن السؤال قد تكرر، وكيف، والإلحاح في الطلب من ا تعالى مطلوب؟.
قوله: (إلى السدرة المنتهى) السدر: شجر النبق، واحدته: سدرة، وجمعها سدر وسدور، الأخيرة نادرة. وقال أبو حنيفة عن أبي زياد: السدر، من العضاه، وهو لونان، فمنه عبري ومنه ضال، فأما العبري فما لا شوك فيه إلا ما لا يضير، وأما الضال فهو ذو شوك، وللسدر ورقة عريضة مدورة، وربما كانت السدرة محل الإقلال، وورق الضال صغار. قال وأجود نبق يعلم بأرض العرب نبق بهجر في بقعة واحدة تحمى للسلطان، وهو أشد نبق يعلم حلاوة، وأطيبه رائحة، يفوح فم آكله وثياب لابسه كما يفوح العطر. وفي (نوادر) الهجري: السدر يطبخ ويصبغ به، وفي كتاب النووي: تجمع السدر على؛ سدرات، بإسكان الدال، ويقال بفتحها، ويقال بكسرها مع كسر السين فيها. قوله: (المنتهى) يعني المنتهى فوق السماء السابعة، وقال الخليل: في السابعة قد أظلت السماوات والجنة، وفي رواية: (هو في السماء السادسة) والأول أكثر، ويحمل على تقدير الصحة أن يكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة، وزعم عياض أن أصلها في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها. انتهى، وليس هذا بلازم، بل معناه: أن الأنهار تخرج من أصلها ثم تسير حيث أراد ا تعالى