مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، لازمه إلى أن خرج النبي عليه السلام، وفصل بينهما. والآخر: أنه أخرج هذا الحديث في عدة مواضع كما سنذكرها، فذكر في باب الصلح وفي باب الملازمة عن عبد ا بن كعب عن أبيه أنه كان له على عبد ا بن أبي حدرد مال فلزمه... الحديث، فكأنه أشار بلفظ الملازمة هنا، إلى الحديث المذكور، على أن ما ذكره في عدة مواضع كلها حديث واحد، وله عادة في بعض المواضع يذكر التراجم بهذه الطريقة.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: عبد ا بن محمد بن عبد ا بن جعفر بن اليمان، أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي، مات يوم الخميس لست ليال بقين من ذي القعدة سنة تسع وعشرين ومائتين. الثاني: عثمان بن عمر، بضم العين: ابن فارس البصري. الثالث: يونس بن يزيد. الرابع: محمد بن الزهري. الخامس: عبد ا بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي المدني. السادس: أبو كعب ابن مالك الأنصاري الشاعر، أحد الثلاثة الذين تاب ا عليهم وأنزل ا فيهم: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 811) روي له ثمانون حديثا، للبخاري منها أربعة، مات بالمدينة سنة خمسين، وكان ابنه عبد ا قائده حين عمي.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الجمع أيضا في موضع واحد. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: شيخ البخاري من أفراده. وفيه: رواية الابن عن الأب. وفيه: أن رواته ما بين بخاري وبصري ومدني.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلح وفي الأشخاص عن عبد ا بن محمد وأخرجه أيضا في الملازمة وفي الصلح أيضا عن يحيى بن بكير عن الليث. وأخرجه مسلم في البيوع عن حرملة عن ابن وهب بن وعن إسحاق بن إبراهيم عن عثمان بن عمر به. وأخرجه أبو داود في القضايا عن أحمد بن صالح عن ابن وهب به. وأخرجه النسائي فيه عن أبي داود سليمان بن سيف عن عثمان بن عمر به، وعن الربيع بن سليمان عن شعيب بن الليث عن أبيه، وعن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن كعب بن مالك مرسلا. وأخرجه ابن ماجة في الأحكام عن محمد بن يحيى الذهلي.
ذكر معناه وإعرابه قوله: (إنه تقاضي) أي: أن كعبا تقاضي أي: طالب ابن أبي حدرد بالدين، و: تقاضى، على وزن: تفاعل، وأصل هذا الباب لمشاركة أمرين فصاعدا نحوه: تشاركا، قال الكرماني: هو متعد إلى مفعول واحد وهو الابن. قلت: إذا كان تفاعل من فاعل المتعدي إلى مفعول واحد: كضارب، لم يتعد وإن كان من المتعدي إلى مفعولين: كجاذبته الثوب، يتعدى إلى واحد. وقال الكرماني: دينا، منصوب بنزع الخافض أي: بدين قلت: إنما وجه بهذا لأنا قلنا: إن تفاعل إذا كان من المتعدي إلى مفعولين لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد. قوله: (ابن أبي حدرد)، اسم ابن أبي حدرد: هو عبد ا بن أبي سلامة: كما صرح به البخاري في أحد رواياته على ما ذكرنا، وهو صحابي على الأصح، شهد الحديبية وما بعدها، مات سنة إحدى أو اثنتين وسبعين عن إحدى وثمانين سنة. وقال الذهبي: عبد ا بن سلامة بن عمير هو ابن عبد ا بن أبي حدرد الأسلمي، أمر على غير سرية. وقال في باب الكنى: أبو حدرد الأسلمي سلامة بن عمير، روى عنه ابنه عبد ا ومحمد بن إبراهيم وغيرهما، وحروف حدرد كلها مهملة، والحاء مفتوحة وكذا الراء والدال ساكنة. قال الجوهري ثم الصنعاني: حدرد اسم رجل لم يأت من الأسماء على فعلع بتكرير العين غيره. قوله: (كان له عليه) جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله: (دينا). قوله: (في مسجد) يتعلق بقوله: (تقاضى). قوله: (أصواتهما)، من قبيل قوله تعالى: * (فقد صغت قلوبكما) * (التحريم: 4) ويجوز اعتبار الجمع في: صوتيهما باعتبار أنواع الصوت. قوله: (وهو في بيته) جملة اسمية في محل النصب على الحال من رسول ا. قوله: (فخرج إليهما) وفي رواية الأعرج: (فمر بهما النبي). فإن قلت: كيف التوفيق بين الروايتين لأن الخروج غير المرور؟ قلت: وفق قوم بينهما بأنه يحتمل أن يكون مر بهما أولا ثم إن كعبا لما أشخص خصمه للمحاكمة فتخاصما وارتفعت أصواتهما فسمعهما النبي وهو في بيته فخرج إليهما. وقال بعضهم: فيه بعد، لأن في الطريقين أنه أشار إلى كعب بالوضيعة، وأمر غريمه بالقضاء، فلو كان أمره بذلك تقدم لما احتج إلى إعادته. قلت: الذي استبعد فقد أبعد، لأن إعدته بذلك قد تكون للتأكيد، لأن الوضيعة أمر مندوب والتأكيد بها مطلوب، ثم قال هذا القائل: والأولى فيما يظهر لي أن يحمل المرور على أمر معنوي لا حسي. قلت: إن أراد بالأمر المعنوي الخروج ففيه إخراج اللفظ عن معناه الأصلي بلا ضرورة، والأولى